المدارس الحربية (الطوابى ) فى أسوان (القشلاق)

 

مقالة كتبها د/حمدي الدالي

إستشاري فى التاريخ القديم

 

 

جاء الكولونيل سيف الى مصر ( ،سليمان باشا الفرنساوي أو “الكولونيل سيف” (ولد في مايو أو يوليو 1788 في مدينة ليون بفرنسا – 12 مارس 1860) وانتقل إلي مصر مع الحملة الفرنسية وبقي بها واعتنق الإسلام. وكان القائدً العامً للجيش المصري في عهد الخديوي عباس. انضم إلى جيش نابليون، ودخل في مهمة البحرية وحضر واقعة الطرف الاخر ثم انتظم في سلك الجندية البري وقاتل في حروب نابليون وارتقى في المراتب العسكرية حتى بلغ رتبة كولونل (أميرالاي) .

ولما انتهى عهد نابليون قضى على الكولونيل سيف بالخروج من الجندية وانقطع للتجارة والزراعة، ثم طلب الى صديق له وهو الكونت دي سيجور السعي لدى شاه العجم في ان يعهد اليه تنظيم جيشه، فنصحه بالذهاب الى مصر، فجاءها سنة 1819. وقابل محمد علي فاعجب به وعهد اليه تنظيم الجيش المصري على الاساليب الحديثة فكان له الفضل الكبير في الاضطلاع بهذه المهمة كما تراه مفصلا في سياق الكلام، وقد اعتنق الاسلام في مصر واختار لنفسه اسم سليمان فصار يعرف بسليمان بك.

فلما انس منه محمد علي باشا الكفاءة لتحقيق مشروعه انفذه سنة 1820 الى اسوان لتكوين النواة الاولى من الجيش، وبدا في العمل بان قدم اليه خمسمائة من خاصة مماليكه ليدرهم على ان يكونوا ضباطا في النظام الحديث، وطلب الى بعض رجاله ان يحذوا حذوه ويقدموا من عندهم من المماليك،

فاجتمع لدى الكولونيل سيف الف من هؤلاء واولئك اخذ يدربهم مدة ثلاث سنوات على فنون الحرب واسالبيها الحديثة، فصاروا نواة الجيش النظامي اذ تكونت منهم الطائفة الاولى من الضباط.

قد اختار محمد علي اسوان لتخريج الطائفة الاولى من ضباط الجيش رجاة ان ينفذ مشروعه بعيدا عن الدسائس والانظار معا، ولكي يتم في رهيبة وسر دون ان يلتفت اليه الناس، فاذا نجح فالنجاح، وان خفق لا يكون لاخفاقه رد فعل يتزعزع مركز محمد علي، وكان من دلائل بعد نظره وفراسته، ومما رغبه ايضا عن القاهرة خشيته ان يكون تعليم التلاميذ على يد ضابط اوروبي مثارا لهياج الخواطر فيها، وخاصة بني الجنود غير النظاميين الذين كانوا ينفرون من كل نظام جديد، ثم ليكون التلاميذ بمنجاة من اساليب اللهو بعيدين عن اماكنه فلا يفسد عليهم الاخلاق الحربية، فاختار لهم كما قلنا مدينة اسوان.

مدرسة اسوان هي اول مدرسة حربية اسسها محمد علي باشا على النظام الحديث، وقد اسست مدرسة حربية اخرى في فرشوط، ومثلها في النخيلة واخرى في ابار (جرجا) والصور الوحيدة التي تواجد لها قامت بتوثيقها هيئة اليونسكو 1959م، وهى صور نادرة جدًا، حيث إن المدرسة حاليًا اندثرت بالكامل وبنى فوقها مسجد يسمى مسجد الطابية. والمدرسة تعد مكانًا كان يرابط في البوابة الجنوبية لمصر، والتي اندثرت، فمن أجلها قدمت أجناس من أوروبا، ومن بلاد العرب، وإفريقيا كجنود ومعلمين استقدمهم محمد علي باشا، واختلطت بالسكان الأصليين في ما بعد.

هذا ما يوضحه التاريخ في أحاديث عجائز أسوان عن اختلاط الأنساب وانصهارها في البوتقة الإنسانيةالمكونة لشعب أسوان.محمد على باشا فكر فى تأسيس كلية عسكرية لتعليم فنون الحرب وتعزيز قدرات الجيش المصرى، واختار هذين الموقعين بمدينة أسوان نظرًا لإرتباط مصر بالجنوب السوداني لتحقيق أهداف إستراتيجية عسكرية فى أفريقيا، وأيضًا لارتفاع الموقعين فوق تبة عالية عن سطح الأرض، ولجأ لاستقطاب أعداد بالآلاف للكلية الحربية من دولة السودان والتى كانت حكم مصر وقتها، وأسكنهم فى مناطق تسمى بـ”القطانية” بأسوان لمجاورتها للكلية، وهى مناطق “الأحمدية والبشارية” حاليًا بمدينة أسوان.

فحاكم مصر والسودان فى هذا الوقت محمد علي فكر فى استقطاب وتجنيد المصريين للتدريب داخل الكلية، تحت إدارة الكولونيل سليمان باشا الفرنساوى، الفرنسى الأصل والذى أسلم وعاش فى مصر، وأسند محمد على باشا إليه مهمة الإشراف على الترسانة البحرية فى الإسكندرية ، بجانب مدير الكلية الحربية فى أسوان.

تعرض لعدة محاولات اغتيال من قبل جنوده المرتزقة أراد تكوين جيش قوى؛ ولأن الصعيد كان يحمل بذرة التمرد ضد سلطانه، وتم تكوين عدة ممالك مستقلة على يد المماليك الفارين متبعين تكوينات ممالك وليست جمهوريات، أراد الباشا وضع بذرة الجيش هنا لاستقدام 30 ألف سوداني من السودان يتم تدريبهم في مدرسة أسوان ولوضع يده على هذه المنطقة التي هي مفتاح السودان، والمنابع ولكن الأمراض تتفشى فيهم فيجبر على استبداله بمصريين في ذات المنطقة التي تتواجد في البوابة الجنوبية لمصر”.

ففي عام 1819 استقدم محمد علي باشا الكولونيل الفرنسي سيف والذي اختار اسم سليمان في ما بعد، ليذهب إلى أسوان وينشئ المدرسة، وتم اختيار أسوان لخلوها من الملاهي، ومسجد الطابية فى مدينة أسوان الحالى، كان موقعًا لأقدم كلية حربية فى مصر وأفريقيا والشرق الأوسط، وعرفت تسمية المنطقة بهذا الاسم نظرًا لوجود طابيتين حربيتين أسسها محمد على باشا فى مدينة أسوان خلال عام 1811، الأولى مبنى عليها مسجد الطابية حاليًا حيث تم إنشاؤها لتكونا مقرًا للكلية الحربية التي كان يديرها سليمان باشا الفرنساوي، والطابية الثانية تعد ملحق بالكلية الحربية فى منطقة الشيخ هارون حاليًا لكنهما إندثرتا وهدمتا مع مرور الزمن.

تكونت في البداية من 4 ثكنات، توسعت في ما بعد لتضم أهم مدرسة أخرجت 4 ألوية ذهبت لبلاد العرب واليونان وسنار في إفريقيا.

وكان تعداد المدرسة الحربية في أسوان كان كثيرًا جدًا فجيش المشاة كان يتكون من 96999، والفرسان 11684، فيما كانت قوة فرقة المدفعية 11600، ويضيف راجح أن النفقات التي دفعت لهذا الجيش بمدرسة أسوان بلغت 754604 جنيهات، فيكون ما خص الجندي هو 6 جنيهات، و124 مليمًا، لافتًا إلى أن هذه النفقات كانت للجنود النظاميين خلاف القوة غير النظامية، والتي تتكون من أعراب، وبدو مصر، وسوريا، وجزيرة كريت، وبلاد الحجاز ومعهم السودان.

وذهب بعض أفرادها لحروب عكا والحجاز، وذهب بعض التلاميذ الذين تعلموا على يد الضباط المتخرجين لحروب المكسيك في ما بعد في عهد إسماعيل باشا وذهب بعض الجنود والقادة، والذين تدربوا على يد سليمان باشا الفرنساوي إلى اكتشاف منابع النيل في عهد محمد على باشا حيث ذهب البكباشي سليم قبودان إلى النيل الأزرق مع مجموعة جغرافية لاكتشاف بلاد تمدنا بالحياة من خلال نهر النيل.

وإلى أبعد من حلفا كان تمرد المجر والانكشاريين على سلطان الدولة المركزية في القاهرة، ومعهم قبائل عربية من الصعيد، والحقيقة أن الذين تم استقدامهم من السودان عانوا من الأمراض، ومن هنا بدأ التفكير فى جيش مصرى وطنى، ومن خلال هذه المدرسة التي استمرت 3 سنوات فقط.

وفى عهد الخديوى سعيد طلب نابليون الثالث إمبراطور فرنسا من سعيد باشا بالدخول في حرب المكسيك التي أساءت إلى رعايا أوربا، فوافق سعيد على إرسال أورطة مكونة من 452 جنديًا وضابطًا تعلموا في مدرسة أسوان عام 1863م، وهي الكتيبة التي استطاعت أن تخمد العصابات المسلحة في المكسيك، وأن تجبر الفرنسيين علي الاحتفاء بها، وتقليدها أرفع النياشين العسكرية، برغم استشهاد الكثيرين منهم في عهد خليفته الخديو إسماعيل.

  وقد ذكر العلامة على باشا مبارك ضمن كلامه عن مدينة اسوان ما يلي: “وعلى نحو ثلثي ساعة من جهتها البحرية قصر وبستان من انشاء محمد بك لاظ أوغلي سنة 1238 هـ مدة اقامته بها من العساكر الجهادية الذين جعل العزيز محمد علي عليهم سليمان باشا الفرنساوي لتعليمهم القوانين الافرنجية العسكرية، وكان يقرب ذلك البستان قشلاق لاقامة ضباط العساكر، ثم جعل مكتبا للتلامذة على طرف الميري”.

فالقشلاق الذي ذكره على باشا مبارك هو المدرسة الحربية باسوان التي تكونت فيها نواة الجيش النظامي.

وتعتبر أسوان من المدن المصرية القديمة منذ عصر ما قبل الأسرات كما اعتنى المصريون القدماء بها، وقد ذكرت بمعنى السوق وجاء اسمها العربى أسوان اشتقاقا من القبطى.

وكان المؤرخون العرب القدامى يفخمون السين في النطق فكتبت فى بعض الأحيان أصوان، وقد لجأ إليها المسيحيون خوفا من بطش الرومان، وفى العصر الإسلامي سكنها الصحابة والتابعين، حيث اكتشفت الدكتورة سعاد ماهر بمشاركة الدكتور عبدالرحمن عبدالتواب، فى ستينيات القرن الماضي نقوش تثبت توافد الصحابة والتابعين لها سنة 31 هجرية.

وتؤكد د. سعاد ماهر فى كتابها الصادر عام 1977م أن أسوان فى العصر الفاطمى تحولت إلى ثغر لتمركز الجيوش، وقد قام الفاطميون ببناء الكثير من العمارة فيها من بينها القباب الفاطمية التى تزين جبانتها الشهيرة المعروفة بالجبانة الفاطمية، بالإضافة للمدارس العلمية، حيث كان بها 3 مدارس لتدريس العلوم الشرعية، ولتدريس العلوم المدنية كالرياضة والفيزياء والطب والفلك، وقد تبعت أسوان ثغر القوصية حتى نهاية العصر المملوكى.

أما فى العصر العثمانى فقد تبعت ولاية جرجا، وفى عهد محمد على باشا ضمت أسوان إلى إسنا بقنا، وفى عام 1888م أصبحت قاعدة لمديرية الحدود ،وفى عام 1900م تم إطلاق اسم مديرية عليها واستمرت كذلك حتى عام 1960م، فتم إطلاق اسم محافظة عليها.

وفى العصر الفاطمى بُنيت طوابى عديدة فى أسوان ،منها الطابية التى تتواجد آثار منها بالقرب من فندق كاتاركت العتيق، وهى مبنية من الطوب من الخارج ومن الطمى من الداخل، وقد سقطت الطبقة الثالثة للمئذنة، وكذلك القبة، ويرجع الأثريون أن طوابى أسوان فى العصر الفاطمى من أعمال بدر الدين الجمالى الذي قام بعمل مساجد ومآذن فى النوبة منها مئذنة بلال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »