سحر البيوت فى قرى أسوان

 

يتمتع البيت الأسوانى القديم بمميزات متعددة بجانب تكلفته المنخفضة،أولها ملاءمته للبيئة، وتهيئته مناخيا لتلطيف جو المنزل الداخلي، بضبط التصميم مع اتجاهات الريح وحركة الشمس والظلال، فالبيت الاسوانى لا يعتمد على الشبابيك بل إلى طاقات صغيرة أعلي الجدران يتم غلقها شتاء، والاستغناء عن الشبابيك كان لتفادي رياح الشتاء الباردة، ويرجعه البعض للخوف من عين الحسود، واتقاء خطر الضواري، لكن الهدف الوظيفي كان المرجح معماريا، فانغلاق حوائط المنزل الخارجية يمنح الهواء فرصة أكبر في الاتجاه إلى فنائه الداخلي في القلب منه، فيندفع عبره إلي جميع الحجرات من أبوابها المفتوحة علي الفناء ليخرج من الحجرات عبر الفتحات الصغيرة «الطاقات»، فيتم تجديد الهواء، وتبريده بطرد الهواء الساخن الملامس لسقف الحجرة من الفتحات، ومضاعفة كميات الهواء البارد الأقرب إلي أرضية الحجرة، فيفعل فعل «التكييف» بهواء طبيعي متجدد، كما تترك بعض المثلثات المقلوبة المزينة فى جدار المضيفة ليتسلل منها النور كما يظهر إلى الآن فى بيوت «غرب أسوان» و«غرب سهيل»، هذا بالإضافة لوقاية أصحاب البيت من الأتربة والرياح، واستمتاعهم بخصوصية تتوافق مع القيم الاجتماعية.

وينقسم البيت الاسوانى من الداخل عادة إلى مدخل وفناء أي « الحوش السماوي»، وهو قلب البيت، ويمكن أن يضم صالة مغطاة في جانب منها تستخدم للنوم في ليالي الصيف، وغرف النوم أو «القباوي» أي الحجرات المغطاة بالقباب، ثم المطبخ أو «الدوكة»، والمرحاض، والمزيرة أي المكان الذي توضع فيه أزيار المياه، والمخزن
ولأن لأسوان تراثها الخاص وألوانها الفريدة، فالبيوت فى أسوان لها طابع معماري فريد، فأهل أسوان الذي تعلموا كيف يبنون بيوتهم من الطين اللبن وبعض الخوص فطنوا البهجة بالفطرة فبدت منازلهم بألوانها الزاهية وأشكالها المتناسقة تحفة معمارية فريدة في الفن والبناء.

والبيوت فى أسوان تلائم البيئة صيفا وشتاءً، فحر الصيف القائظ تحيله قباب البيوت ونسيم النيل العليل إلى هواء رطب ينعش القلوب واكتمالا للبهجة تصنع الزوجة الاسوانية أطباقها الملونة بالأخضر والأزرق والأحمر واللون الإرجوانى الذي يبعث الأمل في جنبات بيتها المزخرف أيضًا.

العمارة الأسوانيه : هي عمارة صديقة للبيئة، حيث تتميزبخصائص فريدة، سواء في مواد البناء أو في تصميم البناء وتقسيمه الذي يعتمد على اتجاهات الرياح والإضاءة الطبيعية من الشمس، فطريقة تصميم البيت النوبي وأقسامه الداخلية والخارجية تحددها عبقرية اختيار فتحاته، وهي نفس طريقة بناء وتصميم المعابد والبيوت الفرعونية المليئة بالأسرار، وتعتمد البيئة الاسوانية على الموارد الطبيعية مثل النخل والنباتات، لذلك نجد بيوتها صديقة للبيئة ومكوناتها من الطبيعة، فهم يستخدمون (القش)، حيث يدخل في مزيج البناء فيأخذون السنبلة للطعام وساقها لصنع طوب البناء.           

والمنزل الاسوانى بوجه عام له خاصية فى موقعه وبنائه، فأبواب المنازل دائماً ما تكون مواجهة لنهر النيل حتى يكون النهر هو أول ما يراه الخارج من المنزل، وفي ذلك تقديس وتقدير له. كما يلاحظ في بناء المنزل الاسوانى مراعاة عامل المناخ بشكل دقيق، وقد ذكر ذلك الدكتور سامي عبد الفتاح في بحثه عن العمارة فى قرى أسوان ) “في الشتاء يكون الجو بارداً جداً مع هبوب الرياح الشمالية بصورة مطردة، ولذلك بنيت الأماكن الآهلة بالحياة بحيث تواجه الجنوب والغرب كي تتلقى أقصى قدر ممكن من أشعة الشمس، ومن ناحية أخرى بسبب حرارة الصيف التي تأتي من ناحية الجنوب والغرب فإن جدران المناطق الآهلة بالحركة كانت مرتفعة، بحيث تتيح بقعة ظليلة بالجدار نفسه” ولذلك فإن المنزل الاسوانى لم يكن يبنى بشكل عشوائي، بل عن دراسة جيدة لطبيعة المكان واتجاهات الريح، بل أن الإنسان الاسوانى القديم قد فطن بفطرته البدائية إلى تأثيرات البيئة المحيطة على الإنسان، كالطاقة السلبية التي تخرج من باطن الأرض وتحيط بالإنسان، أو الطاقة الإيجابية النقيضة لها، ولذلك نراه قد اختار جيداً مكان المنزل بل وفتحات الدخول والخروج، وصنع الباب الرئيسي متجهة للشمال بينما الباب الآخر متجهاً للغرب، وقد سمي بالباب الغربي، وهو عادة يبنى مفتوحاً دائماً وبه استراحة وبجانبه الزير الذي يستقبل الهواء الغربي لتبريد المياه
مواد البناء: الطين : يتكون الطين من ترسبات صخرية من مواد معدنية دقيقة وعند اضافة الماء تتولد قوى تجاذب بين محتوياته الامر الذي يكسبها التماسك اللدونة بحيث تكون قابلة للتشكيل، ثم تمنع نفاذ الماء وفي حالة الجفاف تكون صلدة بدرجة صلادة الاحجار وتكون مختلطة بالرمل و الطمي ، ويصنع منه القوالب الطيبنية المستخدمة في البناء عمارة الطين بين التقليدية والمعاصرة وآفاق المستقبل، ۱۹۹۰). الأخشاب :

تدخل النخلة في الكثير من الاستخدامات في البيوت فتستخدم جذوع النخيل بعد شقها وتهذيبها كدعامات رأسية داخلية للبيوت ودعامات أفقية للأسقف، كما يسهم سعف النخيل بذاته في استخدامه في سقف بعض الحجرات غير الأساسية، كما يدخل الجريد بأوراقه بعد تقطيعه لقطع صغيرة ليدخل في المزيج الذي يصنع منه قوالب البناء ومادة اللصق بين القوالب اسخدام اسلوب الأقبية والقباب في البناء : حافظ على تقنية بناء المنازل فى أسوان عبر القرون وبرعوا في بنائها وباتت سمة لثقافتهم، واستخدمت الأقبية لخفض درجة الحرارة حيث ان اشعة الشمس الساقطة على الأسطح المنحنية يكون امتصاص السطح لها في شكل خط مستقيم ويتحرك ذلك الخط تبعا لحركة اشعة الشمس الساقطة عليه وبذلك يكون نفاذ الاشعة الحرارية للشمس قليلة مقارنة للاسطح المستوية.

ظلت مباني الاسوانيين مختلفة واستوحى منها المعماريان حسن فتحى و رمسيس ويصا واصف في بداية القرن العشرين معمارهما، واستخدمهما بعد ذلك في تصميماتهما الهندسية حيث يساعد هذا العنصر على تهوية المكان ، وقد يرجع ذلك إلى الشكل الأسطواني الذي يعد أيضاً من الأشكال الهندسية المعروفة لدى المصري القديم، ويغطى الطوب الني بطبقة من الطين ثم طلاء من الجير (Nubian”Architecture)

أن المهتمين بعلوم الطاقة الحسية قد ذكروا شيئاً عن هذا الشكل الهندسي، حيث فسروه بأنه يحدث تناغما الكهرومغناطيسية المحيطة، ويجعلها تدور في هذه الحلقة المفتوحة، ثم تخرج من أحد أطرافها متناغمة مسببة الإحساس بالراحة والهدوء الذي يضفيه القبو على الجالس تحته، وما حدوة
ففي شمال ووسط أسوان تقترب حافات الهضبة المقطعة بواسطة الأودية إلى ما يشبه السلاسل الجبلية من حافة النهر تاركة جيوبًا صغيرة من السهول التي يمكن زراعتها، لذلك يبني الكنوز والعليقات بيوتهم على المنحدرات الجبلية؛ توفيرًا للأرض التي يمكن أن تُزرع، أما في إقليم أسوان في الجنوب فإن الحافة الصخرية تتراجع تاركة سهولًا جيدة، ولهذا فإن قرى أسوان غالبًا تُبنى على مسطحات سهلية.

وتوضح الصورة أحد النجوع في أقصى شمال أسوان وقد بنى السكان بيوتهم على المنحدرات في البر والجزيرة الصخرية المجاورة، وحين ينخفض منسوب الخزان تظهر بعض الأراضي التي يمكن زراعتها — الصورة في يناير ١٩٦٢م.

ففى نجع البوستة في عمدية قرشة حيث تؤدي الوعورة إلى بناء البيوت على مستويات متعددة حسب تواجد مساحات مسطحة تصلح لبناء البيت
ومساكن أحد نجوع عمدية مرواو توضح البيئة الصخرية الجرداء الوعرة التي عاش عليها السكان وبنوا فوقها بيوتهم، وهذه البيوت تندمج مع المظهر الطبيعي بصورة خلقها الحس والذوق المعماري التلقائي يحسدهم عليه مهندسو المعمار المعاصرون، وأضاف البناء النوبي من روائعه تلك المشربيات الجصية البسيطة الشكل في أعلى واجهة البيت ودهن الجدران بالجير الأبيض؛ لكي يبرز للرائي أن ها هنا إنسان! بيوت نجع أباشاب بعمدية توشكى مبنية على أرض سهلية رملية، والبيوت كما نرى منتظمة المعمار متصلة ببعضها، وقد سمح هذا الانبساط الأرضي بامتداد البيوت في صفوف متوازية تفصلها شوارع عريضة، مما يعطي انطباعًا بالسكن المركز غير المبعثر عكس ما كنا نراه في النوبة الشمالية.

صف من البيوت صغيرة الحجم في نجع قناوي بعمدية أمبركاب، وفوق كل باب ثلاثة صحون بيضاء ربما كانت وظيفتها منع الحسد، والبيوت غير مطلية الجدران وغير مزينة بأية رسوم أو أشكال.
البيوت بوابة ضخمة في نجع قناوي توضح فن الرسم التلقائي لدى الفن الاسوانى ، والفنان غالبًا سيدات موهوبات.

المضيفة
تختلف مضايف أسوان في الحجم والتأثيث وخامة البناء والشكل المعماري، لكنها تتفق في وظيفتها في استضافة الرجال سواء كانوا من خارج النجع أو القرى، وتتكون غالبية المضايف من قسمين: الأول غرفة، والثاني متسع سماوي — تراس — محدد بسور خفيض أمام الغرفة، ويجلس الناس في هذا القسم أو ذاك حسب المواسم، فالغرفة لأيام القيظ في النهار وليالي الشتاء الباردة، والتراس السماوي لأيام الشتاء المشمسة وليالي الصيف، والمضيفة هي بحق نادي الرجال، لكنها أيضًا مدرسة التنشئة الأولى للصغار؛ يسمعون أخبار الأجداد وتجاربهم الحياتية في المهجر وتصرفهم إزاء مواقف معينة.

مضيفة الشيخ عثمان يونس في نجع العلياب في قرشة، السقف الأسطواني وإلى اليسار مزيرة تحت سقف قبابي.

مضيفة عمدة العبابدة في سيالة شاذلي حسين منشتح. لوجود المضيفة على مرتفع فإن الدرج قد زاد في مهابتها، وتتكون المضيفة من القسمين السابق ذكرهما، ويضاف إليهما قسم ثالث بين الغرفة والتراس السماوي، عبارة عن سقيفة قائمة على أعمدة مما يساعد على الجلوس فيها مستمتعًا بالظل ونسمات الهواء معًا. إلى الخلف بيت العمدة وهو من أكبر البيوت التي شاهدناها في النوبة — ربما أكثر من نصف فدان لكن معظم المساحة حوش سماوي ضخم حسب الخطة المعتادة — وإلى اليمين بناء خاص بالمزيرة، وفي يسار مقدم الصورة تحويطة بسور منخفض، تستخدم مناخًا للجمال حين كانت الإبل مهمة للعبابدة حتى أوائل القرن الحالي.

نجع الحمداب بعمدية المالكي: مضيفة بيت عوض أفندي مبنية على حافة عالية يقول إنها أعلى من منسوب ١٨٠ مترًا؛ أي ستظل عالية فوق مياه بحيرة ناصر إذا قاوم البناء ضغوط المياه. لاحظ السقيفة المحمولة على أعمدة بسيطة، لكنها تعطي انسجامًا معماريًّا فائق الجمال، أما المنزل فيقع خلف المضيفة، وكذلك المحل التجاري الذي يملكه عوض أفندي بعد أن تقاعد من عمله الطويل في حكومة السودان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »