عادات ليلة الحنة في النوبة

كتب : محمد أبوشنب
تعرف الليلة الحنة بأنها الليلة التي تسبق ليلة الزفاف مباشرًة، وقد جاءت تسميتها بهذا الاسم نسبًة إلى عادة استخدام مسحوق أوراق شجرة الحناء في تخضيب الأيدي والأقدام أثناء عملية تحنية العروس والعريس، وذلك بهدف – كما يقول د. محمد الجوهري في موسوعة التراث الشعبي في مجلد العادات والتقاليد الشعبية – التزين، فضلًا عن إنها تعد رمزًا لانفصالهما عن مرحلة ما قبل الزواج، والانتقال إلى مرحلة الزوجية.
آداب الدعوة:
ومن آداب الدعوة التي يقوم بها الأهل (أهل العريس والعروس) مراعاة ظروف الضيوف من المدعوين، بحيث لا يتم إبلاغهم ودعوتهم في نفس يوم الاحتفال بهذه الليلة (ليلة الحنة)، بل بمدة لا تقل عن أسبوع أو خمسة عشر يومًا على الأقل، والسبب في ذلك يعود إلى اتاحة الفرصة أمام الجميع بالحضور، وخاصًة إذا كانوا يقيمون في أماكن أخرى بعيدة عن المكان الذى سيقام فيه الاحتفال.
مراسم الاحتفال:
ولا تخلو مراسم الاحتفال بهذه الليلة – وخاصًة في منطقة النوبة المصرية – من العديد من الأشكال الثقافية، حيث يقام في هذه الليلة احتفالان كبيران، أحدهما بمنزل العريس، والآخر بمنزل العروس، وفيهما يجتمع الأقارب والأصدقاء في الميعاد المحدد المتفق عليه من قبل أهل العريس والعروس.
طقوس التحنية:
ويتم استقبال الضيوف من قبل أهل العروسين والترحيب بهم بشكل أكثر من لائق، حيث يقدم لهم أشهى الأطعمة التقليدية ذات الطابع النوبي المميز، وفي تلك الأثناء
– وخاصًة في حنة العريس – وبعد تجهيز (صينية الحنة) المكونة من (صينية الحنة، والعطور، والبخور، وبعض الأنواع من الزيوت ذات الرائحة الطيبة (كالمحلبية والسرتية)، يستعد العريس لعملية التخضيب بالحناء، فيخرج من بيته ليجلس على الأرض وسط أقاربه وأحبابه أمام البيت في وضع اتجاه القبلة، ثم تأتي امه (أم العريس) أو إحدى أقاربه من السيدات المسنات حاملة (صينية الحنة) في زفة من السيدات لتوضع بجوار العريس على الجانب الأيمن استعدادًا لعملية التخضيب، ومن الشروط الواجب توافرها لمن تقوم بتحنية العريس، أن تكون إحدى قريبات العريس من الدرجة الأولى، وليست غريبة عنه (كالخالة، والعمة، والأخت)، وغالبًا ما تقوم الأم (أم العريس) بهذه العملية، وفي حالة عدم وجودها تتوالى الخالة أو العمة أو الأخت القيام بهذه العملية، ولابد أن تكون محرمة على العريس الزواج منها، وأن تكون متزوجة، وأن يكون أول مولود لها ذكرًا، وأن تكون على دراية تامة بطقوس عملية التخضيب.
وتقوم من وقع الاختيار عليها بوضع عجينة الحناء في اليد اليمنى ثم اليسرى، وأثناء القيام بهذه العملية يجب أن تردد البسملة وذكر اسم الله سبحانه وتعالى أولًا، فتملأ الزغاريد ساحة المكان، وفي تلك الأثناء تبدأ هذه السيدة بالغناء والمدح للعريس وعائلته، والدعاء لغيره من الشباب، ثم تقوم بوضع عجينة الحناء في باطن القدم اليمنى تليها باطن القدم اليسرى.
تقديم النقوط:
ويتم تقديم ما يعرف بالمصطلح الشعبي بـ (النقطة أو النقوط) من قبل الجميع من الأقارب والأصدقاء الذين أتوا على هيئة مجموعات لمجاملة العروسين، كل منهما في مكان اقامته، وقد تختلف هذه العادة الشعبية (عادة تقديم النقوط) من شخص إلى آخر، كما تختلف أيضًا بين أبناء النوبة من (الفاديجا) و(الكنوز)، فأحيانًا يقدم هذا الواجب (النقوط) على هيئة أشياء عينية (كالسكر، والشربات) وما إلى غير ذلك، وغالبًا ما يقتصر على مبلغًا غير محدد القيمة من المال، ووفقًا للعرف السائد لدى أبناء أهل النوبة عمومًا، لا يجوز ولا يصح تقديم ما تم تقديمه من قبل، بمعنى إذا كان كلًا من العريس أو العروس قد قاما بتقديم (النقوط) لأي شخص من الأشخاص المدعوين، وفي أي مناسبة من المناسبات الاجتماعية، سعيدة أو حزينة، فلا يصح أن يقدم لأي منهما (العريس أو العروس) نفس الشيء أو نفس القيمة المالية، بل تقديم أشياء عينية أو مبلغًا من المال يزيد – نوعًا ما – عن ما قدم إليه مسبقًا، والهدف من ذلك يتمثل في تعزيز روح الترابط والتعاون والوصال القائم والمشترك بين أبناء النوبة جميعًا، حيث تساعد عملية (تبادل الأشياء) على دعم وتوطيد الروابط والعلاقات الاجتماعية القائمة بين الأفراد والجماعات والمجموعات، وهكذا الحال مع أبوين العروس أو العريس.
شموع الحنة:
وفي وسط (صينية الحنة) تقاد خمسة شمعات أو سبعة على حسب، وذلك اعتقادًا بأن استخدام شيئًا ما وفقًا للرقم خمسة، فإنه يمنع الاصابة بالحسد أو العين الشريرة، كما أن استخدام شيئًا ما وفقًا للرقم سبعة، فإنه يعبر عن اكتمال الشيء أو الوصول إلى غايته، وبما إنه كذلك، فإنه يعد رمزًا للتفاؤل والمباركة، ولا تقتصر صينية الحنة على وضع الشموع فقط، بل توضع بها أيضًا بعض النقود المعدنية، وخاصًة إذا كانت من كبار أو كبيرات السن من الحاضرين، وذلك إما لصد الأذى أو المباركة أيضًا.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »