دراسات تجارة العطرون فى أسوان القديمة
مقالة كتبها د/حمدي الدالي
إستشاري فى التاريخ القديم
العطرون عبارة عن أحجار طبيعية يتم استخراجها من جبل عطرون بالسودان، العطرون هو مادة بيكربونات الصوديوم والتى كانت تستخدم فى العديد من العلاجات والصناعات وكانت لها أهمية كبرى فى هذا الزمن.
ويوجد العطرون على شكل ألواح حجرية أو صخرية تحت التربة ومخلوط بالمياه ، كما توجد فوق سطح الأرض بعض الترسبات العطرونية على شكل مكعبات صلبة جدا .. ولذلك فان العطرون يعتبر سلسلة أحجار ترابية تكونت نتيجة تأثير ملوحة المياه الى جانب تداخل العوامل الفيزيولوجية الناتجة عن الحرارة والأملاح والبرودة وتبخر المياه ، فعندما يبرد ويتجمد نتيجة الهواء المشبع بالرطوبة تتكون مادة العطرون.
ويوجد منها نوعين نوع لونه أبيض صافي والآخر مائل للاصفرار، ويتم استخدامها عن طريق نقعها في الماء وشربها بعد ذلك ، والعطرون له عدد كبير من الفوائد الصحية للإنسان مثل قتل ديدان المعدة، لتغذية وتكثيف الشعر والتخلص من الشعر الفاسد ، وعلاج تكيس المبايض عند النساء ، بالإضافة إلى العديد من الاستخدامات العلاجية .
فكانت رحلة العطرون مهمة لاقتصاد الواحة حيث ان جلب صخور العطرون من حدود السودان مع تشاد ثم توصيلها لاسنا بجنوب الصعيد..والعطرون مهم جدا في كثيرا من الصناعات و له قيمة عالمية كانت الرحلة تبدا بوصول تجار من الصعيد للاتفاق ودفع عربون لمادة العطرون. . يتبعها تحديد المشاركين من اهل القرية..تمر القافلة عبر صحراء و كثبان و واحات صغيرة لا يقابلها اي تجمعات سكانية فتبدا من واحة باريس جنوب واحة الخارجة ب٩٠ كم تقريبا .
كانت تقاد القافلة من خبير الدروب و هو دليل محلي مثل محمد فلاح من بيت همام او احمد مبارك. وتمر عبر المناطق والوديان التالية: قصيبة – سليمة بالسودان حيث كلها نخل وبلح ياتي لها ناس من حلفا ودنقلة للاستفادة ببلحها ..ثم لقية ثم المعطن ثم وادي العطرون مع حدود تشاد بجوار الكفرة.
عبر الطريق الطويل الممتد الذي يقطعه في 45 يوما تقريبا ذهابا و عودة… كانت القافلة تحمل معها المون من ماء و غذاء و علف للجمال… لذا كان كل يوم تسير القافلة من الفجر ثم تستريح ظهرا و تعاود المسير حتي قبل منتصف الليل. وعند البيات ليلا في محطات البيات كان يتم تجهيز الخزين حيث كان يتم دفن او وضع بعض الاكل و العلف للحيوانات في مكان محدد معروف لتخفيف الحمل و بالتالي عند العودة الاستعانة به. وهكذا كل محطة يتم وضع خزين العودة بها.
الجمال كانت تشرب كل مسير خمسة ايام . تجمع الابل ويسقي بعضها ثم يتم الانتظار ليسقي الاخرين و كثيرا بعد حفر البير او العين التي تكون قد اندفنت بفعل الرمال .
في الطريق الاكل كان احيانا معلبات محفوظة وبالطبع خيرات الطريق من لحم غزال او بقر خلوي كان يتم اصطياده بالبنادق, اما بعض الانواع مما يسمي الودان او خروف الجبل او الكبش الاروي فكان يتم اصتياده بان نجري وراه بالجمل فيتعب و يرقد و يتم مسكه. اما بوادي السلم فالغزال كان فعليا يرعي باعداد كبيرة مثل المعيز.. اما صيد البقر الخلوي او البري كان بوضع حجر اسود في البندقية مع الطلق لضرب البقر الخلا. او البري بالاخص في ركبته لتعجبزه عن الحركة لقوته.. اما النعام فكان فيه نعام كتير. لكن لحمه مش محبب لهم. هناك بيض النعام كان يوجد في مكان غابات من الشوش والحشائش .
عند الوصول لوادي العطرون تكون محطة البيات الاخيرة لمدة تلات ايام… يومين لازاحة الرمل من الارض وعمل فرش تكسر منه الاحجار او طبقة العطرون اسفل الرمال.. وهو نوعان احمر و ابيض كان المستخدم هو الاحمر و يطلع طري من تحت الرمال .. يترك يجف في الشمس و من ثم يحمل عل الجمال كثيرا الفرش الواحد يحمل عشر جمال في 3 ايام.
و كان العطرون بعد تكسيره لقطع صغيرة يحمل علي الابل في ما يشبه المقاطف الكبيرة من سعف الدوم و يسمي فراد من السعف ويلف حوله ليف من الخارج ويربط بالليف لمسك الاتنين فراد يمين ويسار الجمل و باستخدام قطعة من جريدة النخيل لمسكه و تسمي شدة بعد قرص الحبل بشدة لربط الفراد و احكام طهي.
كان كل واحد من المشاركين بالقافلة يسير عدد متوسط خمس جمال. وكان كل قافلة بها بنادق قديمة للحماية فكثيرا ما كانوا يقابلوا ايضا رحلات ورجال قبائل من تشاد معاهم حربة وسيف يأتون ايضا لنفس الغرض لاجل العطرون و لذا كان للقافلة وردية من رجلين تصحي طوال جزء من الليل تسلم وردية اخري لباقي الليل مشعلة النار للدفء . واحيانا تضرب نار تحذيري في اي شك. وكل مجموعة منهم بعيدة عن الاخري التشادية علشان الامان و تفادي اي اشتباك.
فقد حدث مرة ان قتل كل رجال القافلة و لم يعد منهم الا شخص اسمه عياد كانت الرحلة في مجملها تسير في طرق قفرة لا بشر بها… فقط كانت تقابل رجل اسمه عبدالواحد و اولاده يعيشون في وادي لقية يرعي جمال كثيرة… مئات منها وكان فقط ياكل بلح و لبن. ويلبس جلد جمال وكان يبيع الجمال مع السودان ودارفور .. الوحيد الذي يعتبر تجمع سكان في الطريق، في طريق العودة كان يتم الاستعانة بالخزين وصولا الي باريس حيث كان يتم استقبالهم بالدفوف و السعف احتفالا بعودتهم من واحدة من اخطر الرحلات و انفعها ماديا بالطبع.
وبعد ذلك كانت القافلة تسير وصولا الي دراو او فرشوط بجنوب الصعيد. مسيرة تقريبا 3 ايام لدارو بأسوان . حيي كان يتم التوصل لعرب الحاجر علي مشارف المدينة و يتم هناك مقابلة التجار دافعي العربون ويتم وزن الحاجة ويدفع المبلغ وياخدها بالعربيات.. وثم بعد بقاء يوم تنزل القافلة الي السوق. حيث يتم التبضع لهم ولاسرهم و القرية حيث يشتري حاجات مثل الجمل وكان وقتها ب40 ج.. وهو جمل كبير… او ترجع بعسل اسود و عدس و فول و جلاب او يسمي بالواحاتي خلع حلو… كانت جرة العسل ب3 قروش و ايضا قماش كسوة البيت من اسنا و انوال اسنا… و ايضا صندل صحراوي بلاستيك لحماية الارجل خلال السفر بالصحراء.
وقد كان ملأ الجمل من العطرون يباع ب90 ج…وكان مبلغ كبير جدا حينها .وقد كان يتحمل “يشيل” تلات قناطير والقنطار 120 رطل… بيننا كنا نحضر معنا دقيق وشوال الدقيق 3 جنيها و اربعين قرش لورن ال 100 كجم حيث كان عند مريح الضهر..كان يتم اعداد القراصة او الخبز او الفطير الذي يتفنن في الرمل ليستوي. وكان القافلة تاخد دقيق وسكر و شاي.
وكانت قسمة عائد الرحلة لبيع العطرون ان التلتين لصاحب الجمل و تلت للمسافر او الرحال المشارك في الرحلة حيث يقوم صاحب الجمل بتوفير كل الاكل للمسافر و علف للجمل.
لقد استمرت تلك الرحلات عبر العديد من الاجيال حتي توقفت مع منتصف الثمانينات بعد ان مات البعض من المشاركين في قوافل العطرون و دفنت عبر الطريق في شواهد ان بقيت فهي اخر شواهد علي ذلك الدرب….درب العطرون… درب الاربعين يوم.