نميرة نجم: تحية لصمود المرأة العربية بمناطق النزاعات والنزوح فى غياب القانون والعدالة

قالت السفيرة د. نميرة نجم خبير القانون الدولى ومدير المرصد الأفريقى، يجب الوقوف فى رهبة أمام جميع النساء اللاتى يعانين فى جميع أنحاء العالم، مع تحية خاصة لنساء فلسطين والسودان واليمن وليبيا وسوريا على ما يتحملونه مع احتمالات ضعيفة وغائبة لتحقيق العدالة لهن.
وأضافت، على مستوى نصوص القانون تعلمنا أن الجميع متساوون أمام القانون ويحق لهن، دون أى تمييز التمتع بحماية متساوية أمام القانون (المادة 7 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان) لكل فرد الحق فى الحصول على تعويض فعال أمام المحاكم الوطنية المختصة عن الأفعال التى تنتهك الحقوق الأساسية التى يمنحها له الدستور أو القانون (المادة 8 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان).
علاوة على ذلك، أكدت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) فى المادتين 2 و15 على التزامات الدول بضمان المساواة بين الرجل والمرأة أمام القانون، أنها مجرد أمثلة من النصوص القانونية الدولية التى تم قبولها عالميًا لضمان حصول النساء، بما فى ذلك النساء المهاجرات على حقوق كاملة أمام القانون والوصول إلى العدالة.
وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا نزال نناقش حق المرأة فى الوصول إلى العدالة؟ الإجابة بسيطة، لأن الكثيرين ما زالوا غير قادرين على ممارسة هذا الحق فى جميع أنحاء العالم، إما بسبب هياكل التمييز الثقافى المتأصلة، أو الجهل أو التمييز المنهجى من قبل السلطات ضد المرأة، وإذا قمنا بفحص واقعى للعيوب الموجودة فى أنظمة العدالة سنجدها تؤثر سلباً على حق المرأة فى التمتع بحقوقها.
فلا تزال المرأة فى زمن السلم تكافح من أجل الحصول على أجر متساو مع الرجل مقابل نفس العمل، وبالتالى فإن حصولها على الحقوق الكاملة لن يحدث حتى ولو ذهبت إلى المحاكم فى البلدان المتقدمة.
جاء ذلك، أثناء كلمتها فى ندوة “وصول المرأة إلى العدالة” بالمؤتمر الدولى للمرأة فى القانون 2024 الذى نظمته مبادرة المرأة فى القانون المنعقد فى جامعة فيينا.
وأشارت السفيرة فى كلمتها، إلى أن النساء تجد أنفسهن فى مواقف أكثر ضعفا وهشاشة فى المناطق التى تمر بها صراعات ونزوح وهجرة، وكثيرا ما نسمع عن استخدام الاغتصاب كأداة من أدوات الحرب والاعتداء الجنسى على المهاجرات، فهل هؤلاء النساء لديهن نظام عدالة للوصول إليه؟ وإذا كان موجودا فهل يعرفون حقوقهن؟ هل سيكون لديهن الشجاعة للذهاب والإبلاغ عن المعتدين عليهم؟ ألا يخافون من الانتقام؟ وماذا عن مجتمعاتهم، هل سيقبلونهن مرة أخرى؟ وماذا عن طالبات اللجوء اللاتى ليس لديهن إمكانية الوصول إلى العدالة فى الدول المستقبلة وتم انتهاك حقوقهن القائمة على مبدأ عدم الإعادة القسرية، وما هى العدالة التى يريدهن؟
هذا يلخص الكثير مما قد تواجهه النساء المهاجرات فى النزاعات، ولن يكون لديهن ما يبدو أنه خيار محتمل للوصول إلى العدالة حتى ولو نسبية.
وأضافت السفيرة، إننا لا نتحدث فقط عن المهاجرين غير الشرعيين، بل حتى العاملات المهاجرات النظاميات يواجهن التمييز وعدم اللجوء إلى العدالة، حيث لاحظت اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة أن وصول النساء العاملات إلى العدالة محدود، لأنهن ليست مؤهلات دائمًا للحصول على مساعدة قانونية مجانية، وفى بعض البلدان قد يفقدون وظائفهن بسبب الإبلاغ عن التحرش أو سوء المعاملة، ومن المتصور أن هؤلاء النساء يأتين أيضًا من حالات مناطق الصراع والتوتر السياسى، والتى يفتقرن فيها إلى الحماية الدبلوماسية أيضًا من دولهن أو لا يملكن ترف العودة إلى ديارهن.
وعقبت السفيرة متسائلة فى هذا السياق، كيف يمكننا ضمان العدالة الفعالة للنساء فى المواقف والظروف الضعيفة مثل المهاجرات والنازحين داخليًا وطالبى اللجوء وأولئك الذين يعيشون فى مناطق النزاع؟
وأشارت السفيرة فى هذا الصدد، إلى أن ضمان الوصول الفعال إلى العدالة للنساء فى الحالات الضعيفة، يجب أن يعتمد على عناصر أساسية مثل الاعتراف المتساوى أمام القانون والإنصاف أمام المحاكم والنهج الفردى فى التعامل مع الموضوع إلى جانب التشريعات والنظام الوطنى.
وأوضحت، أن الحقوق فى النظام الأفريقى محمية بموجب المادتين 3 و 7 من الميثاق الأفريقى لحقوق الإنسان والشعوب، وكذلك الحق فى محاكمة عادلة، وتنص المادة 8 من بروتوكول هذا الميثاق بشأن حقوق المرأة فى أفريقيا، والتى بموجبها يجب على الدول الأطراف ضمان حصول المرأة بشكل فعال على الخدمات القضائية والقانونية – بما فى ذلك المساعدة القانونية – ويجب أن تدعم المبادرات الموجهة فى تمكين المرأة من الوصول إلى الخدمات القانونية – بما فى ذلك المساعدة القانونية.
ومع ذلك، فإن بعض القوانين الوطنية لا تمنح الأهلية القانونية أمام المحاكم لتشمل المهاجرين أو طالبى اللجوء الذين هم فى أوضاع غير نظامية، ومن العوائق الأخرى التى تعوق هذا الحق اشتراط المستندات اللازمة لبدء الإجراءات القضائية، وصعوبة تقديم الأدلة فى الإجراءات.
ووفقاً للميثاق الأفريقى، ينبغى أن يتمتع كل فرد بهذه الحقوق دون أى تمييز “من أى نوع” – بما فى ذلك المهاجرين أو طالبى اللجوء – وذكرت اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب أن الدول “يقع عليها واجب ضمان إتاحة الوصول إلى الهيئات القضائية لكل شخص داخل أراضيها وولايتها القضائية دون تمييز من أى نوع”.
كما أكدت محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان، على أهمية توفير سبل الانتصاف الكافية والفعالة والعادلة والمنصفة، وأن الوصول إلى العدالة، بما فى ذلك الحق فى محاكمة عادلة، يجب أن يُمنح بالتساوى ودون تمييز لجميع الأشخاص، بغض النظر عن وضعهم كمهاجرين، بما يتماشى مع الطبيعة الأساسية لهذا الحق، وحددت المحكمة أن الحق فى الحماية القضائية ينتهك عندما يكون المهاجر غير قادر على ممارسة هذا الحق بسبب الخوف من الترحيل، ولذلك من الضرورى أن تعتمد الدول تدابير حواجز بين السلطات القضائية وسلطات مراقبة الهجرة لمعالجة مخاوف المهاجرين وتشجيع وتسهيل الوصول إلى حقوقهم.
وفى النظام الأوروبى لحقوق الإنسان، وبموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، تنص المادة 13 فيها على أن كل شخص تنتهك حقوقه وحرياته يجب أن يتاح له سبيل انتصاف فعال أمام سلطة وطنية، وفقًا لما أشارت له المادة 6 من الاتفاقية المذكورة، وأنه يحق لكل شخص الحصول على محاكمة عادلة فى غضون فترة زمنية معقولة أمام محكمة مستقلة ومحايدة منشأة بموجب القانون.
ونوهت السفيرة أنه فى هذا الصدد، أشارت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إلى أن الفشل فى ضمان توفير محاكمة عادلة المنصوص عليها فى المادة 6 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان يمكن أن يصل إلى حد “إنكار صارخ للعدالة”.
وفى سياق الهجرة، أشارت المحكمة ذاتها أيضًا إلى أن الحق فى الحصول على سبيل انتصاف فعال يشمل الحصول على سبيل انتصاف على المستوى الوطنى للتعامل مع أى “شكوى يمكن الدفاع عنها” بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وعلى الرغم من أن حقوق المهاجرين تم الاعتراف بها رسميًا فى الأطر المعيارية الدولية والإقليمية والعديد من الأطر المعيارية الوطنية فى جميع أنحاء العالم، من المحزن أن نلاحظ فى الممارسة العملية، أن النساء المهاجرات اللاتى يقعن ضحايا للانتهاكات يواجهن عقبات فى التماس سبل الانتصاف، وتشمل العقبات عدم وجود الوثائق المناسبة، والمخاوف من الترحيل أو الاعتقال.
وينبغى أن يمتد هذا التيسير للوصول إلى العدالة دون خوف من العواقب السلبية، وفقًا للقواعد والمعايير الدولية فى القوانين الوطنية ليشمل الجميع بما فى ذلك النساء المهاجرات وطالبات اللجوء بغض النظر عن وضعهن القانونى، ولزيادة ضمان المساواة أمام القانون وأمام المحاكم يجب أن تتاح للنساء المهاجرات فرصة معقولة لعرض قضاياهن، وينبغى للأنظمة القضائية أن تأخذ فى الاعتبار نقاط ضعفهن الظرفية بما فى ذلك العقبات المالية، على سبيل المثال، عن طريق التنازل عن رسوم المحكمة المرتفعة وتوفير الحماية لهن بالمساعدة القانونية، بالإضافة إلى أنه يجب إعلام المهاجرات المحتجزات بحقهن فى الحصول على المساعدة القنصلية والمشورة القانونية بنفس الطريقة مثل المواطنين.
وصول النساء ضحايا العنف الجنسى إلى العدالة، وفقًا لاتفاقية البلدان الأمريكية لمنع العنف ضد المرأة والمعاقبة عليه والقضاء عليه (اتفاقية بيليم دوبارا)، التى تنص على أنه يجب على الدول إقامة العدل، والإجراءات القانونية الفعالة وضمان الوصول الفعال إلى هذه الإجراءات (المادة 7)، وحددت محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان التأخير غير المبرر فى التحقيقات وأوجه القصور القضائى فيما يتعلق بقضايا العنف القائم على نوع الجنس باعتبارها عقبات أمام الوصول إلى العدالة، وتواجه النساء المهاجرات وطالبات اللجوء عقبات مماثلة، نظرا للطبيعة المطولة لإجراءات الهجرة الإدارية والعنف القائم على نوع الجنس الذى يتعرضن له فى بلدان المنشأ والعبور والمقصد، وكثيراً ما يفضل ضحايا الاتجار بالبشر المضى قدماً بدلاً من التماس العدالة لتجنب الوصمة الاجتماعية المصاحبة وإمكانية التعرض للصدمة مرة أخرى، فهن يُنظرن إليهم على أنهم منتهكون للقانون الأخلاقى العرفى للمجتمع بغض النظر عن المسار الذى يختارونه، ولهذا السبب تفضل النساء فى كثير من الأحيان التظاهر بعدم حدوث شىء بدلاً من طلب التعويض.
وفى حالة العمال المهاجرين، عرضت اللجنة المعنية بحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم طريقاً للمضى قدماً، وأوصت بأن تقوم الدول بتعيين أمين مظالم للعمال المنزليين لمساعدتهم فى الوصول إلى آليات الانتصاف، وشجعت الدول على اعتماد إجراءات قانونية محددة المدة أو عاجلة لمعالجة الشكاوى المقدمة من العمال المنزليين المهاجرين، وإبرام اتفاقات ثنائية لضمان وصول المهاجرين إلى العدالة فى بلد عملهم عند عودتهم إلى بلدهم الأصلى، خاصة عند الإبلاغ عن سوء المعاملة أو المطالبة بالأجور والمزايا غير المدفوعة.
وتابعت السفيرة: دعونا لا ننسى أن العاملين فى مجال الإتجار فى الجنس، الذين يتم تجريم مجال عملهم فى بعض البلدان بالإضافة إلى الوصمة الاجتماعية التى تلاحقهم، يشكلون مجموعة أخرى من النساء المهاجرات اللاتى يواجهن صعوبات خاصة فى الوصول إلى العدالة، وكثيرا ما تُستخدم القوانين والسياسات الرامية إلى مكافحة الاتجار بالأشخاص لتحديد هوية المهاجرين وطالبى اللجوء غير الشرعيين واحتجازهم وترحيلهم دون تقديم المساعدة أو تعويضهن.
واقترحت السفيرة، تقديم نهج مبتكر وفعال لكسر الحواجز قائلة: علينا أن ننظر فى تأنيث الهجرة لتشمل الوصول إلى العدالة، إلى جانب إضفاء الطابع الإنسانى على مراقبة الحدود، مضيفة، إنها ليست مجرد مسألة أمنية، إنها مسألة اجتماعية، وكما ورد فى تقرير المقرر الخاص المعنى بحقوق الإنسان للمهاجرين، أن نطلب من الدول اعتماد استراتيجيات لضمان وصول المرأة على قدم المساواة إلى آليات العدالة، واتخاذ التدابير المناسبة لتهيئة بيئات داعمة تشجع النساء على المطالبة بحقوقهن، والإبلاغ عن الجرائم المرتكبة ضدهن، والمشاركة بنشاط فى الإجراءات الجنائية، واتخاذ تدابير فعالة لحماية المرأة من الإيذاء الثانوى فى تعاملاتها مع سلطات إنفاذ القانون والسلطات القضائية، ومراجعة ورصد جميع الإجراءات القضائية للتأكد من أنها لا تميز ضد المرأة بشكل مباشر أو غير مباشر، والقضاء على أى تمييز ضد المرأة فى العقوبات، وتدريب موظفى نظام العدالة وتوعيتهم فيما يتعلق بحقوق الإنسان للمرأة ومبدأ المساواة.
وفى نهاية كلمتها، قالت السفيرة: لا يزال أمامنا الكثير لنفعله لحماية المرأة وتزويدها بحقوقها الكاملة فى الولوج إلى العدالة، لذلك دعونا نستمر فى المحاولة وسوف ننجح.
أدار اللقاء، باولا تافاريس خبيرة قانون فى التمييز القائم على النوع وأستاذ مساعد فى قانون النوع الاجتماعى والقانون الدولى والمقارن فى كلية الحقوق بجامعة واشنطن الأمريكية.