بورتريهات الفيوم المشهورة…تُعيد الحياة لوجوه مصرية عاشت منذ 2000 سنه

 

مقالة كتبها د/حمدي الدالي

إستشاري فى التاريخ القديم

أسوان

 

اعتقد المصرى القديم بالحياة الأبدية، والعالم الآخر، اهتم المصريون القدماء بتحنيط جثامين راحليهم. التى عرفت باسم المومياوات، حيث يجب أن تعثر الروح «البا» على جسدها «الكا» بسهولة فى الآخرة. حين يرقد فى سلام، وتعبر روحه إلى عالم الخلود، يجب أن تكون به علامة تُسهِّل على الروح التعرف عليه، والاندماج فيه مجددا.

لذا كانت صورة الوجه هى أمثل الحلول. فرسموا ملامح المتوفى على لوح خشبى رقيق، يوضع على رأس تابوته أو بجواره فى القبر، وإذا كان التابوت ملفوفا بالكتّان، يرسمون وجه المتوفى على رأس التابوت ويبروزونه بلفائف الكتان. ومن هنا بدأ فن البورتريه لأول مرة فى تاريخ العالم.

وارتبط خلود المتوفى فى الوجدان المصرى القديم ببقاء الجسد وسلامة ملامح الوجه بعد التحنيط، فكما كانت تحفظ جثامين الملوك والنبلاء وكبار رجال الدولة فى توابيت حجرية محكمة الغلق ويتم إخفاؤها بعيدا عن عيون اللصوص والعابثين، وارتفاع تكلفة تلك التوابيت، ابتكرت الطبقة المتوسطة والفقيرة أقنعة لوجوه موتاهم من الكارتوناج توضع على توابيت خشبية ثمنها أقل من الحجرية.

وثبّتوا الأقنعة المرسومة بطبقات من الكتان وورق البردى بالغراء والجبس، ورسمها مطابقة لصورة المتوفى، بدءا من عصر المملكة الوسطى «2000 ق.م». ودفن مومياوات الفقراء ذات الأقنعة كانت تتم بأبسط تكلفة، وفى جبانة عامة على أطراف الصحراء.

وبعد فترة دار الفنانون الشعبيون الذين أبدعوا البورتريهات على البيوت لرسم سكانها الأحياء، وكان صاحب البيت يضع صورته المرسومة على بوابة منزله بديلا عن اسمه، ليستدل الناس على بيته، وعند وفاته ينقل البورتريه من واجهة بيته إلى تابوته الخشبى الذى يضم جسده بعد تحنيطه، وظل هذا التقليد المصرى موجودا فى العهدين اليونانى والرومانى، ودفن البطالمة والرومان موتاهم بطريقة المصريين، رغم عدم إيمانهم بعقيدة البعث.

ورُسمت بروتريهات للنبلاء المحليين وأشراف المدن. وهذه الرسوم المبهرة مجهولة الفنان، تجاوزت قيمتها الجنائزية، وألهمت المدارس الفنية حول العالم. وفى مراحل لاحقة غلب عليها الطابع الإغريقى الرومانى أكثر من المصرى القديم.

وأغلب الوجوه التى عثر عليها كانت فى الإقليم الممتد من منطقة هوّارة إلى أواسط مصر، لذا اشتهرت باسم الفيوم. ويذهب آثاريون إلى أنها لوحات جنائزية مصرية ازدهرت فى الفترة الرومانية. ويرجحون أنها فى القرن الأول للميلاد، ولا يعرف أحد يقينا متى توقف المصريون عن رسمها. وإن رجّح البعض أنها توقفت فى القرن الثالث الميلادى.

عثر على مومياوات الفيوم في عدة أجزاء من مصر إلا أن منطقة حوض الفيوم شملت أغلب الاكتشافات ما جعلها تحمل هذا الاسم وتحديدا من منطقة هوارة وحتى أواسط مصر، ويرجح علماء الآثار أن تكون هذه اللوحات الجنائزية المصرية قد صنعت في فترة مصر الرومانية.

بداياتها تعود إلى القرن الأول للميلاد، كما أنه من غير المؤكد متي توقف صنعها، لكن بعض الدراسات الحديثة تقترح أن صنعها قد توقف في القرن الثالث للميلاد، وتعتبر اللوحات مثالا مبكرا لما تلاها من أنواع فنون انتشرت في العالم الغربي من خلال الفن البيزنطي وفن الأيقونات القبطي في مصر.

تبين اللوحات رسمًا لشخصية ما للشخص المدفون في التابوت وعادةً ما يكون شخصية كبيرة أو معروفة، وتميل الرسوم إلى الفن الإغريقي -الروماني بشكل أكبر مما هو معروف عن فن الرسم المصري القديم، فقد تأثر المصريين بهذا الفن كما تتأثر المجتمعات بالمجتمعات الأخرى بذات المحتلة كما كان في مصر في هذه الفترة.

توجد الآن حوالي 900 لوحة مكتشفة في المقابر التاريخية في الفيوم، ونظرا للمناخ الجاف والحار للمنطقة فقد حفظت اللوحات بشكل ممتاز، لدرجة أن ألوان الكثير منها تبدو كأنها لم تجف بعد.

وفي 1615 زار المستكشف الإيطالي بيترو ديلا فاليه مدينتَي سقارة ومنف في مصر، فكان أول أوروبي يكتشف لوحات المومياوات ويصفها. وقد نقل بعض المومياوات والبورتريهات إلى أوروبا، وهي الآن معروضة في متحف ألبرتينوم.

صحيح أن الاهتمام بمصر القديمة زاد بعد تلك الفترة، لكن لم تشتهر اكتشافات مومياوات أخرى قبل القرن التاسع عشر. مصدر المكتَشَفات الأولية غير معلوم: ربما سقارة أو طيبة.

في 1820 حصل البارون مينوتولي على عدة بورتريهات مومياوية لجامع ألماني، لكنها فُقدت في بحر الشمال ضمن حمولة كاملة من القطع الأثرية المصرية.

وفي 1827 قدِم ليون دي لابورد أوروبا ومعه لوحتان قيل إنهما اكتُشفتا في منف، واحدة الآن في متحف اللوفر، والأخرى في المتحف البريطاني.
ثم أخذ إيبوليتو روسيليني (كان عضوًا في بعثة 1828-1829 المصرية التابعة لجان فرانسوا شامبليون) معه إلى فلورنس مزيدًا من اللوحات، وهي شبيهة بعيّنتَي دي لابورد، إلى حد أنهما يُحتمَل لهما مصدر واحد.

في عشرينيات القرن التاسع عشر أرسل هنري سولت (القنصل البريطاني العام إلى مصر) عدة لوحات أخرى إلى باريس ولندن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »