المصريين القدماء أول من عرفوا وأساسا دورات المياة او الحمامات

 

 

مقالة كتبها د/حمدي الدالي

إستشاري فى التاريخ القديم

أسوان

 

بدأ التطهر في مصر القديمة منذ عصور ما قبل التاريخ،وكان شرطًا أساسيًا لكل من يدخل المعبد سواء كان ملكًا أو كاهنًا أو من عامة الشعب، وقد سبق المصريون العالم في تشييد الحمامات في بيوتهم؛ إذ يُرجَّح أن أول حمَّام شهدته المجتمعات الإنسانية كان في الحضارة المصريه القديمة عام (3200 ق.م) قبل الميلاد،

ودورات المياه عرفت في مصر القديمة بشكل محدود في عصر الدولة القديمة (3200 ق.م)، وكانت قاصرة على الملوك والأمراء والنبلاء وكانت تصمم بشكل بدائي عبارة عن جانبين متوازيين منخفضين وبينهما إناء فخاري مملوء بالرمل والذي كان يفرغ عند الحاجة في أمان خارج أسوار المدينة.

وكان الحمام يتصل بغرف النوم ويقع في الجزء الخلفي من البيت أو القصر، وقد عبّر (هيرودوت) عن دهشته من ذلك، فقال: «عجبت للمصريين يتناولون طعامهم بالخارج، ويقضون حاجتهم بالداخل، معتقدين أن الضرورات القبيحة يجب أن تأتي في الخفاء».

ولم يستطيع المـؤرخ الإغريقي هيرودوت، الوقوف صامتًا أمام ما رآه من المصريين القدماء، حين زار مصر، في القرن الخامس قبل الميلاد، ليسطر بقلمه شهادة حق للمصريين باعتبارهم الشعب الأكثر صحة وسعادة ونظافة وإيمان،

ومن المفاجآت التي حملها التاريخ بين طياته أن المصريين هم أول من راعى تحريم مجامعة النساء في المعابد، أو حتى دخولها بعد الجماع دون اغتسال، وأقدم على الختان حبًا في النظافة، ثم أقدم على ارتداء ثيابا كتانية بيضاء، وكانوا يهتمون دائمًا بالحفاظ على نظافتها ولونها الأبيض الناصع ولا يرتدون الصوف لأنه يجمع الحشرات.

أما أحد أهم التعاليم المرتبطة بالوصول إلى معرفة الإله فكان «تطـهير الجسد والروح»، إذ شمل ذلك النظافة والاستحمام الدائم الذي كان يصل في بعض الأحيان إلى خمس مرات في اليوم، كما في حالة الملك والكهنة، وأيضًا الحفاظ على نظافة الملابس وإجراء عملية الختان للذكور فقط،(الختان كذلك كان واحدة من أكثر الأمور المعبرة عن النظافة، وكانت تمارس من سن السادسة حتى الثانية عشر، وكان يقوم بها الحلاقون أو الأطباء ومساعديهم، ويرى البعض أن الكهنة هم من يقومون بها باعتبارها شعيرة دينية، ويسمى الكاهن المختتن ولم نر أي مشهد يوضح ممارسة ختان الفتيات). وحلق شعر الجسد بالكامل بالنسبة للكهنة.

ولتقديم نفسه قدوة لعامة الشعب، احتفظ ملك مصر القديمة منذ بداية تاريخ مصر بوظيفة كبير مسئولي نظافة القصر الملكي، وأيضًا «كبير مسئولي نظافة الملك» و«كبير الغسالين»؛ حيث كانت طقوس الاغتسال والتطهر وغسل الملابس جوهرية بالنسبة للملك وأيضًا الكهنة.

ولم تكن نظافة الجسد وحدها مصدر إعجاب «هيرودوت» بمصر؛ لكنه سيطرت الدهشة عليه فترة طويلة، حين وجد المصريون سبقوا جيرانهم بإنشاء «المراحيض» داخل بيوتهم، فكان المرحاض الصحي أحد الابتكارات المصرية الخالصة.

وهذه المراحيض تم صناعتها من الحجر أو الطوب اللبن، ما بين ثابتة ومتنقلة، وتصنع من الخشب وكانت الحمامات بجوار غرف النوم، وغالبا في الجزء الخلفي من المنزل متصلة بحجرة صاحب المنزل وبالحريم وبجوارها حجرة الزينة والتزين بعد الاستحمام لتدليك جسم المستحم وتعطيره.
ثم حجرة خلع الملابس؛ حيث كان الاستحمام يتم عبر صب الماء من أعلى من خلال أبريق أو خادم ويوضع بالماء مادة النيترون، وكانت أرضية الحمام تصنع من لوح حجري أملس جدرانه بالحجر الجيري أو طلائه بالأبيض، وكان هناك مواسير لصرف المياه للخارج تصب في أماكن تجعلها معرضة للشمس لسرعة جفافها لعدم تسبب الأمراض وقد أقام المصريون القدماء أول شبكة للصرف الصحي بمعبد ساحورع.

ومع مناخ مصر الحار، كان ضروريًا أن يبحث المصري القديم عن مكان للاستحمام في منزله، يوميًا، ومن يتخلف عن ذلك كان يحرم من مباركة الآلهة، فمن لا يستحم يحرم من دخول المعبد، وكان الكهنة يستحمون صباحًا ومساءً، وكانوا يستعملون الدهون والعطور وظهرت المناشف
و التطور الأكبر في دورات المياه رافق الدولة الحديثة (1550 ق.م)، إذ أصبحت في جميع البيوت البسيطة والفارهة، وتطور شكل المرحاض وأصبح فتحة دائرية ذو قواعد ملساء ومائلة لتسهيل تنظيفها، ووجد في بعض المنازل أكثر من دورة مياه واحدة.

ومنازل تل العمارنة التي اهتمت اهتماما كبيرا بدورات المياه، وفي مساكن العمال في دير المدينة عثر على مراحيض متحركة مثل الدولاب الخشبي أو على شكل مقعد بدون مسند يشبه حدوه الحصان.

ذكر لقب (المشرف على غرفة استحمام جلالته ) عرف في الدولة القديمة، كما توجد إشارة في قصة سنوحي من عصر الدولة الوسطى (2132 ق.م) لحمام الملك سنوسرت الأول، ملمحا إلى بساطة الحمامات في ذلك الوقت والتي لم تكن تعدو مجرد حجرة مبلطة بالجير، وفي عصر الدولة الحديثة تطورت وأصبحت الحوائط تكسى بألواح جيرية مصقولة أو بقطع حجرية ملساء تشبه القيشاني.

وحفريات منطقة تانيس وجدت أنابيب فخارية كبيرة مدفونة تحت الأرض وقد احكم تثبيتها يبعضها البعض ويرجح أنها أما كانت لتوصيل المياه النظيفة أو لصرف المياه القذرة، وفي مدينة اللاهوت بالفيوم اتبع نظام المجاري وهو عبارة مرور المياه داخل مجاري كبيرة تمر من وسط الطرق أمام المنازل.

وفي تل العمارنة تطورت الفكرة إلى عمل إناء فخاري كبير مثقوب ويصب في أوعية خارج حوائط المنازل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »