الكاتب الصحفى سعيد حبيب .. نصير الغلابة

 

ولد الكاتب الصحفى سعيد حبيب عام 1935 فى محافظة الدقهلية بأحد قراها فى أسرة كبيرة من الطبقة المتوسطة لأب متزوج من سيدتين الأولى، أنجب منها العديد من الأبناء والبنات، ثم تزوج من الثانية التى كانت تصغره بسنوات، وأنجب 6 من الأبناء والبنات، وكان الابن الأكبر من الزوجة الثانية طفل متميز قرر والده أن يميزه عن باقى إخوته، وهو كاتبنا الصحفى سعيد حبيب، وبمجرد أن وصل إلى سن المدرسة أدخله إليها، ولم يكن هناك مدارس فى تلك القرية الصغيرة، دخل المدرسة فى مدينة المنصورة يرافقه أخوه الأكبر من الزوجة الأولى لوالده والتى كان يعتبرها أيضا والدته لحبها الشديد ورعايتها له، وظل هناك حتى أتم دراسته الثانوية ليلتحق بجامعة القاهرة، وانتقل مرة أخرى إلى القاهرة ليصبح أول طفل من تلك العائلة الكبيرة يصل إلى التعليم الجامعى.

التحق بكلية الآداب قسم صحافة فلم يكن فى ذلك الوقت الكلية المعروفة حاليا بكلية الإعلام، كان يرغب فى تحقيق حلمه أن يصبح صحفى يكتب، ويعبر عن آرائه، ويدافع عن المغلوب على أمرهم، ويمارس فضوله فى البحث عن الحقيقة، ويثقل موهبته المتميزة فى الكتابة.

لم تمر سنوات الدراسة الجامعية فى الدراسة فقط، بل مارس من خلالها شغفه بأمور السياسة من خلال نشاطات اتحاد الطلبة بالكلية والجامعة، وعرف عنه أنه “نصير الغلابة”، حيث نشأ وترعرع فى أزهى سنوات ثورة يوليو 1952 وجنى ثمارها وآمن بقائدها وأصبح ناصريا قلبا وقالبا رغم رؤيته لبعض الأخطاء فى تلك المرحلة.

تخرج من الكلية وسرعان ما بدأ العمل كمحرر بأخبار اليوم، وعضو بارز من أعضاء نقابة الصحفيين، وآمن بالعديد من القضايا التى اعتبرها هدفه، ومنها عاملى المطابع بمؤسسة الأخبار الذى ناضل من أجل حصولهم على الحليب لتعويض الضرر الصحى بسبب تعرضهم للرصاص من معدات الطباعة بالجريدة آن ذاك، كما ناقش على صفحات الجريدة العديد من القضايا الحيوية منها، قضية تبنتها المؤسسة والفضل يرجع له وهى قضية الإيجار القديم وظلم المالك للمستأجر عكس ما يروج له حاليا.

ورغم انتمائه للمسيرة الناصرية إلا أنه تعرض للكثير من المضايقات لم تثنيه عن إيمانه بالثورة، ومات عبد الناصر ومعه ذهبت مع الريح الاشتراكية، وجاء السادات بكل ما يحمله من تساؤلات حول توجهه مالبث أن عبر عنها من خلال سفره إلى تل آبيب، وإبرام اتفاقية كامب ديفيد، والذى صرح كاتبنا عن رأيه فيها بصراحة ماجعله ضمن قائمة طويلة من المطلوب اعتقالهم واضطر لمغادرة مصر ضمن من تركوها فى ذلك الوقت من كتاب ومثقفين وإعلاميين وسياسيين كبار منهم: حكمت أبوزيد – أول وزيرة فى مصر، وأحمد عبد المعطى حجازى، وكرم مطاوع، وسعد أردش، وحمدى قنديل، وسعد الدين الشاذلى، وعبد الغنى قمر، ومصطفى الأخ الغير شقيق لجمال عبد الناصر، وعبد المجيد فريد – الوزير السابق برئاسة الجمهورية، ومحمود أمين العالم، وغيرهم وبالطبع الكاتب الصحفى سعيد حبيب.

ظل سعيد حبيب يدافع عن الفكر الاشتراكى الناصرى، وليس الفكر الاشتراكى السوفيتى، حيث كان يرى أن الاشتراكية الناصرية تم تمصيرها لتصلح لمصر، وأن الشعب المصرى بعد السنوات الطويلة للاحتلال من حقه أن يعيد الوطن لأهله وخيراته لهذا الشعب، وأن القطاع العام أساس الدولة إلا أن القطاع الخاص له نصيب محدود لا بأس به ليساند الدولة وليس كالاشتراكية السوفيتية التى منعت القطاع الخاص تماما لصالح القطاع العام بالكامل ما نشر الفساد به وأفسد المنظومة بأكملها.

يوجد للكاتب الصحفى سعيد حبيب كتابين الأول أطلق عليه إسم “الخطر الناصرى”، وهو ما أوضح فيه وجهة نظره فى الناصرية وخوف معادى الناصرية من خطرها عليهم وعلى أهواءهم ومصالحهم السياسية (يباع بالمكتبات فى العالم العربى والمكتبات العربية بلندن).

كما كان له كتاب آخر اسمه “إعدام صحفى” الذى قام الأستاذ محمد حسنين هيكل بكتابة نبذة عن الكاتب على ظهر الغلاف.

الكتاب عن تجربة الكاتب مع فئة ضالة من الجماعات التكفيرية الذين أحلوا دمه لجهلهم وتفسيرهم المرضى بما يحلو لهم لأحد مقالات الأستاذ سعيد حبيب بجريدة “العرب اللندنية” حيث كان يقيم حينها بلندن، ما جعله مهددا لفترة طويلة من تلك الفئة الجاهلة بدينها.

الكاتب الصحفى له ثلاث أبناء، الإبن الأكبر طبيب عيون د. عمرو الذى ورث عن أبيه شغفه بأمور الوطن والسياسة، وابنته التى سارت على نهجه وحصلت على شهادة الدكتوراه فى الإعلام والصحافة د. عبير، وابنه الثالث الأستاذ عماد وهو أيضآ سار على نهج والده ليصبح صحفيا ومدير تحرير استعان به الكاتب دائمآ فى تصميم وتنفيذ العديد من الجرائد الصادرة بلندن ومنها جريدة “العرب اللندنية”.

اصدر الكاتب الصحفى العديد من الجرائد الخاصة، ورأس تحريرها وكانت إحداها التجربة الأولى بتاريخ الجرائد العربية وهى جرائد التابلويد (أى نصف مقاس الجريدة العادية) مثل: جريدة “العروبة”، و”التيار العربى”، وغيرهما، وظلت الأخيرة تصدر بفضل أبناءه عدة أعداد بعد وفاته إلى أن توقفت عن الإصدار لضخامة تكلفتها.

وكان يرى أنه من الخسة والضعف والهوان من قبل الدول العربية، الوقوف ضد صدام حسين اختلفنا معه أو اتفقنا فى اجتياح الكويت، وتدور الأيام لتؤكد أنه كان على حق فلو وقف الوطن العربى بجانب العراق فى ذلك الوقت، لما كانت تلك المآسى التى يعانى منها الشعب العراقى حتى الآن، ولما كانت مآسى عالمنا العربى ومعاناته بداية من فلسطين حتى ليبيا والعراق وسوريا واليمن والسودان.

رحل عن عالمنا الكاتب الصحفى سعيد حبيب فى 31 ديسمبر 1992 وهو فى رحلة عمل إلى العراق رغم اكتشاف إصابته بالمرض اللعين قبل 4 شهور الذى لم يثنيه عن الاستمرار والمضى قدما فى مشروعه الجديد جريدة “التيار العربى” فى شكل التابلويد، وكان الحصار على العراق فى ذلك الوقت على أشده.

وأراد توثيق ما كانت تمر به العراق من مآسى بسبب هذا الحصار ما عبر عنه فى أعداد كثيرة بجريدة “التيار العربى”، وبسبب هذا الحصار أيضا اضطر أولا للعبور من الأردن ليتوجه بعدها إلى العراق، إلا أن المرض لم يمهله وفاضت روحه إلى بارئها فى الأردن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »