الحادث الدموی فی مسجد قندوز بأفغانستان والدروس المستفادة منه للمسلمین

قال السفیر ناصر کنعانی – رئیس مکتب رعایة مصالح الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة بالقاهرة، فى مقال له:

شهدنا فی غرة شهر ربيع الأول إحدى الهجمات الإرهابية الأکثر دموية ضد المصلین فی صلاة الجمعة بمسجد “سيد آباد” بمدينة “قندوز” الأفغانية نال خلالها أکثر من 150 مصلی فی مختلف الأعمار ضحیة الشهادة وجُرح العشرات، وأعلنت داعش مسئوليتها عن هذه العملیة الإرهابیة.

أثناء المنافسات الانتخابية الأمریکیة التی أقیمت عام 2016، کرر الرئیس الأمریکی السابق دونالد ترامب اتهامه لمنافسته فی الانتخابات هیلاری کلینتون والرئیس الأمریکی حینها باراک أوباما بأنهما متورطان فی إیجاد جماعة داعش الإرهابیة، ویستند الآخرون لما کتبته السیدة کلینتون فی کتابها الذی أسمته “الخیارات الصعبة”، کدلیل آخر على ضلوع أمریکا بشکل مبدئی فی تدشین ما یُسمى بجماعة داعش.

إن مسؤولية الولايات المتحدة فی العملیة الإرهابیة فی قندوز لا تقتصر على کیفیة ایجاد داعش، بل إن المسؤولية هنا تعود إلى أمریکا بصفتها دولة مُعتدیة قد أنهت حضورها غیر الشرعی الذی دام لعشرین عامًا فی أفغانستان بشکل مفاجئ وترکت البلاد تواجه مصیرها فی ظل وضع اللادولة وفوضت الحکم لمجموعة کانت أمریکا قد هاجمت أفغانستان قبل عشرین عامًا من أجل القضاء علیها! عشرون عامًا من الحرب الدمویة فی أفغانستان والدمار الذی حل بهذا البلد وانتهاءًا بالفشل والانسحاب غیر المسئول، أظهرت کم أن أمریکا دولة غیر جدیرة بالثقة ولا تتعامل بشکل غیر مسئول تجاه الأمن والسلم الدولیین فحسب، بل أن دورها مخرب فی هذا الأمر.

لذا فإن إعلان داعش مسؤوليتها عن الهجوم الإرهابی على مسجد قندوز، لا یقلل من المسئوليات الدولیة على أمریکا بصفتها المسؤول عن نتائج احتلالها لأفغانستان.

وفی حوار تلفزیونی لها مع قناة أکسیوس الأمریکیة، علقت سفیرة الحکومة الأفغانیة السابقة فی واشنطن على التحولات الأخیرة فی بلادها قائلة: إنها لم تعد تثق فی حکومة الولایات المتحدة، وینتابها الشک حول مقدرة الأفغان على استعادة الثقة فی سياسات الولايات المتحدة مرة أخرى على المدى القریب.

کما ردت على سؤال حول ما إذا کانت ترى فی أمریکا قائدة للعالم الحر أم لا، صرحت: “لو کنتم تتحدثون عن الدیمقراطیة، فإنی أستشکل علیها وینتابنی الضحک تجاهها”.

أما الملاحظة التالیة بخصوص العملیة الإرهابیة ضد المصلین فی مسجد قندوز فهی تعود إلى الحکومات والشعوب الإسلامیة، حیث خضعت الدول الإسلامیة خلال العقود الطویلة الماضیة تحت سیطرة السیاسات الاستکباریة للقوى الکبرى فی العالم، ولکن منذ أکثر من عقد، أطل تهدید آخر بظلاله على جمیع الدول الإسلامیة وهو تزاید حدة الخلافات والتصنيفات والتحزبات الدینیة وظهور المجموعات الإرهابیة التکفیریة المتطرفة، قامت هذه المجموعات وعلى رأسها داعش بتنفیذ أبشع الجرائم داخل حدود الدول الإسلامیة، تُنبئنا ممارسات هذه الجماعة والتحول والتنقل العجیب والرهیب لها فی الدول الإسلامیة وخاصة الدول غیر المستقرة، وحجم التدعیم العسکری القوی والسریع بالأسلحة الخفیفة والثقیلة الذی تلقته هذه الجماعة بأنها یتم إدارتها وتدعیمها عبر مراکز قویة على مستوى حکومة أو عدة حکومات، وفی أحدث جرائم هذه الجماعة، شهدنا استشهاد المسلمین الشیعة فی مسجد قندوز بأفغانستان والذین راحوا ضحیة لهذه الجریمة البشعة التی ارتکبتها داعش. وفی ظل الظروف الموجودة داخل أفغانستان فإن خطر تکرار هذه الجرائم لا زال قائمًا ولکن بالتأکید یُدرک العالم الإسلامی جیدًا سواء الحکومات أو الشعوب أن مثل هذه الجرائم لیست محدودة داخل أفغانستان ولن تبق کذلک.

إن الأمة الإسلامیة بشیعتها وسنتها وتوجهاتها المختلفة هم أبناء الأمة الإسلامیة وأتباع النبی الکریم محمد المصطفى صلى الله علیه وآله وسلم الذی شرف العالم بمولده فی شهر ربیع الأول ووصفه المولى عز وجل بأنه رحمة للعالمین {وَمَا أَرْسَلْنَاکَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِینَ.(الأنبیاء – 107)}.

إن الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة إذ تؤکد على أهمیة التأسی بالتعالیم النبویة الکریمة ومن منطلق إدراکها لمدى أهمیة الوحدة ولزوم التمهید للمواجهة المشترکة ضد کل ما یتسبب فی الفرقة بین أبناء الأمة الواحدة قد أسمت الفترة ما بین الروایات المختلفة عند السنة والشیعة لتاریخ المولد النبوی الشریف (من 12 إلى 17 ربیع الأول) بأسبوع الوحدة الإسلامیة، وهذا من أجل أن یُرکز أبناء الأمة الإسلامیة فی هذه الأیام على الأصول والمبانی المشترکة للوحدة الإسلامیة ولیبتعدوا عن الفرقة أکثر من أی وقت آخر، والمثیر للاهتمام أن جذور هذه المبادرة تعود إلى ما قبل انتصار الثورة الإسلامیة فی إیران، حیث أطلق آیة الله السید علی الخامنئی، الزعیم الحالی للثورة الإسلامیة الإیرانیة هذه المبادرة والسنة الحسنة فی مدینة تُسمى “إیرانشهر” بالتعاون مع بعض علماء أهل السنة فی محافظة سیستان وبلوشستان أثناء فترة نفیه إلى هناک من قِبل النظام البهلوی وهذا من أجل توحید الأنظار على التقریب و الوحدة والابتعاد عن الفرقة، وبعد انتصار الثورة الإسلامیة بقیادة الإمام الخمینی رحمة الله علیه تم تثبیت هذه التسمیة رسمیًا وتکریم هذه المناسبة وإحیاؤها. {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِیعًا وَلَا تَفَرَّقُوا (آل عمران – 103)}.

لقد مرت الأمة الإسلامیة على الأقل خلال العقد الماضی بمعاناة کثیرة تشبه هذه الجریمة البشعة والمریرة والمحزنة التی مرت بها مدینة قندوز، ومن أجل تجنب مثل هذه الحوادث، لا تستطیع الأمة الإسلامیة أن تقف وتنتظر للحکومة أو الحکومات غیر المسئولة التی أوصلت الشعب الأفغانی لمثل هذا الوضع المؤلم، تحتاج الأمة الإسلامیة للرجوع إلى مبانی التقریب والوحدة بین جمیع المسلمین بشتى مذاهبهم وفرقهم من أجل الحفاظ على نفسها والدفاع عن أمن أبنائها، إن النزاعات والصراعات القومیة والمذهبیة فی العالم الإسلامی خلال العقود الماضیة ناشئة عن بذرة بذرها الاستعمار الذی یرى مصلحته فی التفرقة وإراقة الدماء بین أبناء الأمة الإسلامیة، واستمرار التفرق والصراعات والنزاعات الدمویة هو تمهید لإضعاف الشعوب والدول الإسلامیة واستمرار حضور وتدخل القوى المهیمنة فی تحدید مصیر الدول الإسلامیة أکثر من أی وقت مضى. وَأَطِیعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِیحُکُمْ وَٱصْبِرُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّبِرِینَ. (الأنفال – 46).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »