أنطونيو غوتيريش: نسير بسرعة مروعة نحو كارثة مناخية  

 

أعلن الأمين العام للأمم المتحدة -أنطونيو غوتيريش- أن هيئة ”المحلّفين“ توصلت إلى حكمها النهائى بشأن تغير المناخ وهو حكم بالإدانة المؤكدة.

وقال فى كلمة له، اليوم الإثنين، بمناسبة صدور التقرير الثالث للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ: تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إنما هو سردٌ طويل من الوعود المناخية المنكوثة.

بل هو سجلّ يبعث الشعور بالعار، ويُفهرس التعهدات الجوفاء التى تزجّ بنا حتما نحو عالم تنتفى فيه مقومات الحياة.

وأضاف غوتيريش، إننا نسير بسرعة مروعة نحو كارثة مناخية:

مدن كبرى ستصبح مغمورة تحت المياه، وموجات من الحر لم يسبق لها مثيل، وعواصف مُرعبة، ونقص فى المياه على نطاق واسع، وانقراض مليون نوع من النباتات والحيوانات.

وتابع: ليس هذا المشهد ضربا من الخيال ولا هو من باب المبالغة، إنه الواقع الذى يخبرنا العلم أنه سيتحقق نتيجة سياساتنا الحالية فى مجال الطاقة.

نحن فى طريقنا إلى احترار عالمى يتجاوز ضعف الحد المتفق عليه فى باريس وهو 1,5 درجة مئوية.

وأقوال بعض قادة الحكومات ورجال الأعمال تصبّ فى اتجاه – بينما تصبّ أفعالهم فى اتجاه آخر، إنهم بكل بساطة يكذبون، وعواقب ذلك ستكون كارثية، إننا فى حالة طوارئ مناخية.

ويحذر علماء المناخ من أننا قد أوشكنا بشكل خطير على بلوغ نقاط تحوّل يمكن أن تؤدى إلى تأثيرات مناخية متتالية لا سبيل لتداركها.

لكن الحكومات والشركات المسؤولة عن أعلى نسب الانبعاثات لا تكتفى بغض الطرف عن هذا الوضع، بل تتمادى كَمَن يصبّ الزيت على النار.

فهى لا تتورّع عن تضييق الخناق على كوكبنا، حسبما تُمليه مصالحها الخاصة واستثماراتها التاريخية فى الوقود الأحفورى، فى الوقت الذى توجد فيه حلول متجددة أقل تكلفة تساهم فى توفير فرص العمل المراعية للبيئة، وأمن الطاقة، ومزيد من الاستقرار فى الأسعار.

وقال غوتيريش: لقد اختتمنا المؤتمر السادس والعشرين للأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ المعقود فى غلاسكو بشعور من التفاؤل الساذج، مردُّه الوعود والالتزامات الجديدة المقطوعة.

لكن المشكلة الرئيسية – المتمثلة فى الفجوة الهائلة والمتزايدة فى مجال الانبعاثات – كان مصيرها التجاهل، فالعلم واضح.

وأضاف، لكى نتمكن من الحفاظ على أمل تحقيق هدف حصر الاحترار فى حدود لا تتجاوز 1,5 درجة مئوية على النحو المتفق عليه فى باريس، يتعين علينا خفض الانبعاثات العالمية بنسبة 45% خلال هذا العقد.

بيد أن التعهدات المناخية الحالية ستؤدى إلى زيادة بنسبة 14% فى الانبعاثات، ومعظم الجهات الرئيسية المسبِّبة للانبعاثات عازفة عن اتخاذ الخطوات اللازمة للوفاء ولو بهذه الوعود المنقوصة.

وأحيانا يوصَف النشطاء فى مجال المناخ بالمتطرفين الخطيرين، لكن حقيقة الأمر أن البلدان التى تزيد من إنتاج الوقود الأحفورى هى المتطرفة الخطيرة.

وقال غوتيريش: الاستثمار فى البنية التحتية الجديدة للوقود الأحفورى هو ضربٌ من الجنون الأخلاقى والاقتصادى.

وسرعان ما ستتحول مثل هذه الاستثمارات إلى أصول مهجورة – مجرد وصمة فى المشهد العام، وتشوّه فى المحافظ الاستثمارية، لكن الأمور يمكن أن تسير على غير هذا المنوال.

إذ يركز التقرير الصادر اليوم على استراتيجية التخفيف – والحد من الانبعاثات، ويحدد خيارات قابلة للتطبيق وسليمة من الناحية المالية فى كل قطاع، خيارات كفيلة بأن تنقذ إمكانية حصر الاحترار عند 1,5 درجة مئوية.

فأولا وقبل كل شىء، يجب أن نسرّع وتيرة التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة بمقدار ثلاث مرات.

وهذا يعني التحرك، الآن، لنقل الاستثمارات والإعانات من قطاع الوقود الأحفورى إلى مصادر الطاقة المتجددة، وفى معظم الحالات، تكون مصادر الطاقة المتجددة أقل تكلفة بكثير.

ويعنى أيضًا توقف الحكومات عن تمويل قطاع الفحم، ليس فقط فى الخارج، ولكن فى بلدانها أيضًا.

ويعنى تكوين تحالفات مناخية، تتألف من البلدان المتقدمة، ومصارف التنمية المتعددة الأطراف، والمؤسسات المالية الخاصة، والشركات، دعما للاقتصادات الناشئة الكبرى فى إحداث هذا التحول، ويعنى حماية الغابات والنظم الإيكولوجية بوصفها حلولا مناخية فعالة، وإحراز تقدم سريع فى مجال الحد من انبعاثات غاز الميثان، وتنفيذ التعهدات التى قُطعت فى باريس وغلاسكو.

ويجب على القادة أن يتولوا زمام القيادة، ولكن بإمكاننا جميعا أن نقوم بدورنا فى هذا المسعى، فنحن مدينون للشباب والمجتمع المدنى ومجتمعات الشعوب الأصلية بدق ناقوس الخطر ومساءلة القادة، وينبغى أن نستفيد من عملهم لتوليد حركة شعبية لا يمكن تجاهلها.

وأضاف، إذا كنت فردا تعيش فى مدينة كبيرة أو منطقة ريفية أو دولة جزرية صغيرة، وإذا كنت تستثمر فى سوق الأوراق المالية، وإذا كنت تهتم بقضية العدالة ومستقبل أطفالنا، فإننى أناشدُك مباشرة:

المطالبة باستخدام الطاقة المتجددة الآن – بسرعة وعلى نطاق واسع.

والمطالبة بوضع حد لتوليد الطاقة التى تعمل بالفحم.

والمطالبة بإنهاء جميع أشكال الدعم المقدم لقطاع الوقود الأحفورى.

وتابع: إن تقرير اليوم يصدر فى مرحلة يشهد فيها العالم الكثير من الاضطرابات، فقد بلغت أوجه عدم المساواة مستويات غير مسبوقة، وثمة تفاوت صارخ فى درجات التعافى من جائحة كوفيد-19.

والتضخم آخذ فى الارتفاع، وبسبب الحرب الدائرة فى أوكرانيا، تشهد أسعار المواد الغذائية والطاقة ارتفاعا حادا، لكن زيادة إنتاج الوقود الأحفورى لن تؤدى إلا إلى تفاقم الأمور.

والخيارات التى تتخذها البلدان الآن هى خيارات حاسمة ستحدد قدرتنا على الوفاء بالتزام حصر الاحترار عند 1,5 درجة أو فشلنا فى ذلك.

واختتم غوتيريش كلمته قائلًا: إن التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة كفيل بأن يرمّم مصفوفتنا الحالية من مصادر الطاقة العالمية ويمنح الأمل لملايين الأشخاص الذين يعانون اليوم من الآثار المناخية.

يجب التحرك الآن لتحويل الوعود والخطط المناخية إلى واقع وتدابير ملموسة، فقد حان الوقت للتوقف عن حرق كوكبنا، وبدء الاستثمار فى الطاقة المتجددة المتاحة بوفرة حولنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »