أدوات الزراعة فى بلاد النوبة القديمة

 

مقالة كتبها د/حمدي الدالي

إستشاري فى التاريخ القديم

أسوان

 

لا توجد كثير من الأدوات التي تستعمل في الزراعة النوبية، وأكثرها تعقيدًا هي أدوات الري، سواء كانت الساقية أو الشادوف.

والأغلب أن إقامة الساقية بالذات تقتضي تساند عدة أشخاص، ويصبح لهم حقوق انتفاع بمياه الساقية، ولا بدَّ من حفر قناة تصب فيها مياه الساقية لتتوزع على الأرض التي تعتمد عليها، وتبنى السواقي على قواعد حجرية ليست لصق ضفة النيل، بل على مبعدة يسيرة، وتُحفر لها بئرٌ يصل منسوبها إلى المياه الجوفية، كما هو الحال في الشمال حيث موارد الحجارة قريبة، ومن ثم فإن الكثير من أبنية هذه السواقي القديمة ما زالت موجودة بصورة متهدمة تحت مياه الخزان، وهي تشكل بعض المخاطر للملاحة لمن لا يعرف المناطق التي كانت تكثر فيها السواقي قديمًا، وهناك إلى جانب القواعد أعمدة خشبية قوية غالبًا من جذوع أشجار السنط وأفلاق النخيل، وكلتاهما متوفرة في معظم أرجاء النوبة، يقوم نجار السواقي بربطها رأسيًّا وأفقيًّا، ثم هناك الدواليب الأفقية والرأسية والتي تعلق فيها القواديس. هذه الأعمال كلها تحتاج إلى تشارك أقرباء أو غرباء يمتلك الواحد منهم حصة بقدر ما أسهم به من عمل وخامات.

ولا تقف مشكلة الساقية عند هذا الحد من التشييد وتوزيع الأنصبة، فإدارة الساقية تحتاج إلى أبقار ومراقب عمل، ولهذا فإن هناك أنصبة أخرى تنبني على إمداد الساقية بالأبقار اللازمة لإدارتها، وهكذا نجد تساندًا كثيفًا بين ملاك الأراضي والساقية والأبقار والأشخاص الذين يُوكل إليهم أمر إدارة الساقية وتوفير الماء، وقد يكون هناك مستثمرون أو ملاك كبار، لكن نشاطهم قد يتعدى القيام بهذه الأعمال الزراعية إلى أعمال أخرى كالتجارة، ومن ثم فهم في حاجة إلى إسهام الكثيرين في صورة شراكة متشعبة تربط أعضاء العائلة أو عائلات المجتمع في المحلة الواحدة.

ويجدر بنا أن نذكر هنا أن سكان النوبة يطلقون اسم الساقية على كل الأرض التي تروى من الساقية الواحدة، سواء كانت مساحتها فدانًا أو أكثر.

الشادوف ليس أداة صعبة في تشييدها، لكن الأغلب أن هناك مشاركة في إقامته بين المستفيدين من تشغيله. وحيث إنه يعتمد على الجهد البشري في إدارته، فإن الأرض المعتمدة على الشادوف هي بالضرورة أصغر كثيرًا من أرض الساقية، والواقع أن استخدام الشادوف قاصر على الأرصفة الصغيرة من أجل ري الأشجار المثمرة أو الخضراوات الشتوية.

ولصغر الاستثمار في عمل الشادوف بالقياس إلى الساقية، فإننا نرى عدد الشواديف في المحلة الواحدة يفوق عدد السواقي — بل ربما لا توجد ساقية مقابل عدد من الشواديف — ففي كورسكو ثلاث سواق كلها تقع في حوض الريقة — كورسكو غرب — بينما يوجد أحد عشر شادوفًا في كورسكو شرق وغرب معًا.

أما أدوات الزراعة فهي تتكون من عدد بسيط من الأدوات، على رأسها الفأس أو الطورية، كما تُسمى هناك، وفي دنقلة توجد السلوكة بديلًا للفأس؛ وهي عبارة عن عصا حفر على أحد جوانبها موطئ للقدم يضغط به العامل من أجل تعميق الحفرة التي تُوضع فيها البذور، ولكن في النوبة المصرية فإن الفأس هو المستخدم في نقر الأرض، ومن ثم تسمى الزراعة بهذه الطريقة «زراعة النقر». وإلى جانب الطورية توجد «الجرافة» التي هي قطعة من الخشب تُستخدم لتسوية الأرض، و«الواسوق» لإقامة الجسور الطينية داخل الحوض الزراعي، وهو أيضًا آلة خشبية، وأخيرًا «المنجل» الذي يتكون من قبضة خشبية وسلاح مسنن من الحديد، وقد سبق أن ذكرنا أن المحراث لم يكن موجودًا في النوبة في الماضي أو إلى الستينيات من هذا القرن، ربما عرفوه ولكن مقتضيات الزراعة النوبية لم تكن تستدعي استخدامه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »