رحلات حرخوف إلى افريقياوبلاد النوبة
حرخوف (2420 – 2270 ق.م.)، كان حاكمًا مصريًا لإلفنتين في القرن 23 قبل الميلاد، في مصر العليا، وقائد الجنود، ومدير كل البلاد الأجنبية في الجنوب في ظل حكم كل من مرن رع الأول رابع ملوك الأسرة المصرية السادسة (حوالي 2255-2246 قبل الميلاد)، وبيبي الثاني، آخر ملوك الأسرة السادسة (حوالي 2246-2152 قبل الميلاد). ودفن في إلفنتين.
تم بناء مقبرة في مقبرة قبة الهوا، اكتشفها وفحصها في عام 1892 من قبل إرنستو شياباريللي. منحوتة من الصخرة، توجد غرفة مساحتها 25 مترًا مربعًا بها أعمدة عند المدخل سجل فيها سردًا تفصيليًا لحياته وأسفاره وألقابه، بالإضافة إلى الرسالة التي أرسلها بيبي الثاني بعد رحلته الرابعة.وقد نقش سيرته على جدران مقبرته في قبة الهوا على الضفة الغربية للنيل أمام أسوان، بالقرب من الشلال الأول.
وتعد سيرته من المواد الهامة في علم المصريات وُلد حرخوف لعائلة نبيلة في جزيرة إلفنتين وكان مسؤولًا في المحكمة مع اثنين من الملوك المصريين من الأسرة السادسة: مرن رع الأول وبيبي الثاني. يعرف حرخوف عن حياته والبعثات الأربع التي قام بها في النوبة من خلال نقوش قبره في أسوان.
تم ذكر ما مجموعه ثلاثة أفراد من العائلة في قبر حرشوف. من ناحية، هناك والده إيري، الذي كان يحمل ألقاب «الصديق الوحيد» و «الكاهن المطلع». كانت زوجة حرشوف تيبمنفرة، واسمها الجميل تيبي. حملت ألقاب «أحد معارف الملك» (أي سيدة الانتظار) و «خادمة حتحور». كان الطفل الوحيد للزوجين هو ابنهما دجيمي، واسمه الجميل مستني أو مسني.
حمل هذا ألقاب «الصديق الوحيد» و «الكاهن المطلع» و «رئيس الناطقين بلغة أجنبية» التي يمتلكها والده أيضًا فحرخوف من رجال الدولة البارزين فى عصر الأسرة السادسة، شارك فى تحقيق السياسة التى رسمها ملوك هذه الأسرة فى التوسع والعمل على اكتشاف البلاد الواقعة إلى الجنوب من مصر، وإقامة علاقات وطيدة معها، وقد عمل فى ظل حكم مرن رع الذى استمر من سنة 2247 إلى سنة 2241 قبل الميلاد، وأخيه غير الشقيق بيبى الثانى الذى استمر فى الحكم حتى سنة 2148 قبل الميلاد، وفى عصر هذه الأسرة امتدت عمليات التوغل المصرى حتى دنقلة، ومن خلالها استطاعت مصر الاتصال بأعماق إفريقيا، وكان حرخوف أحد أبرز المستكشفين المصريين فى ذلك العصر، وقد سجل رحلاته على جدران مقبرته التى دفن بها فى أسوان.
قال حرخوف فى وصف رحلته الأولى”أرسلنى جلالة مرن رع سيدى، كما أرسل والدى السمير الوحيد والمرتل إزى إلى بلاد إيام، لأكشف الطريق الذى يؤدى إلى البلاد الأجنبية، وقد قمت بهذا العمل فى 6 أشهر فقط، وقد عدت بكل أنواع الهدايا من هذه البلاد، وقد أثنى على كثير من أجل ذلك ، ويضيف الحصري أن رواية حرخوف تؤكد أن رحلته الأولى لم تكن بداية للكشوف الجغرافية المصرية فى القارة الأفريقية بل هى استكمال لرحلات سابقة منها ما قام به والد حرخوف نفسه فى عصر الملك مرن رع ، حيث كان عصر هذا الملك من أزهى العصور فى مجال الكشوف الجغرافية فى زمن الدولة القديمة، ولم تقتصر جهوده على إرسال البعثات الكشفية والحملات العسكرية بل قام كذلك بتوفير السبل لمثل هذه البعثات والحملات.
رحلات حرخوف الأفريقية قد تعددت وقد وطد خلالها النفوذ المصرى فى البلاد الجنوبية، وكشف للمصريين عبرها عن عوالم جديدة كانت مجهولة بالنسبة لهم، وقد كانت رحلات حرخوف مثل رحلات كثيرة من غيره من الرحالة مصحوبة أحيانا بحملات عسكرية، ويروى لنا الرحالة حرخوف على جدران مقبرته قصة رحلته الثالثة والأخيرة فى زمن الملك مرن رع.
حرخوف الذي تولي منصب القائد العسكري للجنوب ومدير كل البلاد الأجنبية في الجنوب كان شغوفا جدا بنهر النيل والروابط التي تربط المصريين بالنهر وإفريقيا مثل معظم المصريين، ورغم أنه توغل في إفريقيا كثيرا إلا إنه كان حين يعود لمصر يطلب من المسؤلين العودة ثانية من خلال النهر نحو إفريقيا، فيسلك الطريق نحو إلفنتين بأسوان ويتوغل جنوبا وكان في الطريق يسجل كل مشاهداته، وكان يقضي في الجنوب نحو 8 أشهر في كل رحلة وقد كان الناس في مصر القديمة يصغون لكلامه، وهو يتحدث عن مغامراته.
عادحرخوف في رحلته بنحو 300 حمار محملة بالبخور والأبنوس والزيت وجلود الفهود والعاج وكل المنتجات الطبية، مؤكداً أن رؤساء القبائل في إفريقيا أحضروا له هدايا من الثيران والحيوانات الصغيرة، و”قادونى نحو طرق جبال إرثت، وقد كانت عينى ساهرة بفطنة أكثر من كل سمير ومدير قوافل من الذين أرسلوا إلى إيام قبلى، ومن ثم عاد فى النهر الخادم حرخوف نحو البلاد”.
الرحلة الأولى
التقرير عن الرحلة الأولى موجز للغاية. تم تكليف حرخوف ووالده إيري من قبل الملك مرن رع الأول لاستكشاف الطريق إلى أرض يام. استغرقت الرحلة سبعة أشهر. جلبت حرشوف العديد من البضائع من يام إلى مصر وتم الإشادة بها بشدة.
الرحلة الثانية
في الرحلة الثانية، كان حرخوف في القيادة. قام في تقريره بتسمية العديد من أسماء الأماكن: سافر على طريق إلفنتين وفي طريقه إلى يام جاء عبر بلدان إرتجيت وميشير وتيريريس، والتي ربما كانت جزءًا من وحدة سياسية تسمى إرتجيت. في طريق العودة جاء إلى بلاط حكام سيتجو وإرتجيت. استغرقت الرحلة ثمانية أشهر وتم جلب العديد من البضائع إلى مصر. في تقريره، يدعي حرخوف الشهرة بأنه لم ينجز أي قائد حملة مآثر مماثلة قبله.
الرحلة الثالثة
الرحلة الثالثة موصوفة بأكثر الطرق تفصيلاً: نقطة البداية هي تا-ور. من هناك، تحرك حرخوف على طريق الواحة إلى الجنوب الغربي، حيث التقى بحاكم جام، الذي كان يشن حملة ضد الليبيين. من الواضح أن هذا الحدث أخر جدول الرحلة الاستكشافية، حيث أرسل حرشوف أحد رجاله ومرؤوسًا من حاكم جام إلى الديوان الملكي المصري للإبلاغ عن التأخير. تبع ذلك مقايضة بين حرشوف وحاكم جام وحرشوف وصلت إلى منطقة جنوب إرتجيت وشمال سيتجو في طريق العودة إلى الوطن. اجتاز المنطقة بقافلة من 300 حمار محملة بالبخور والأبنوس وزيت حقنو وأشياء أخرى.
التقى مرة أخرى بحاكم إرتجيت وسيتجو، الذي في هذه الأثناء كان قد وضع دولة واوات تحت سيطرته. بما أن حرشوف كان معه جيش قوي، بما في ذلك قوات من إيام، لم تكن هناك اشتباكات معادية. بدلاً من ذلك، أعطى الحاكم لحرخوف ماشية وسلوكًا آمنًا عبر إمبراطوريته. في الطريق إلى المقر، التقى حرخوف المسؤول تشوني مع عدة سفن.
الرحلة الرابعة
تمت الرحلة الرابعة بعد وفاة مرن رع الأول، في وقت مبكر من عهد خليفته بيبي الثاني. لا يوجد تقرير مباشر عن هذا. بدلاً من ذلك، كان لدى حرخوف رسالة من الملك الشاب تم نسخها على واجهة قبره. هذه الرسالة مؤرخة في السنة الثانية من الحكم، الشهر الثالث من موسم عاشيت، اليوم الخامس عشر. وهي رد على تقرير أرسله حرخوف إلى الملك. يعبّر بيبي فيه عن سعادته البالغة لجلب حرخوف «قزم الإله يرقص» إلى البلاط، يحث حرخوف على الإسراع ويأمره بمراقبة القزم حتى لا يسقط في الماء أثناء قيادته على النيل.يصف قبر حرخوف نص رسالة تلقاها من الملك نفر كارع، حيث يعبر بوضوح عن حرصه على رؤية الأقزام الذي كان حرخوف يحضره معه. لنجاحه، وعد حرخوف بالعديد من التكريمات الجديرة من قبل الملك.
ولم تنقطع رحلات حرخوف إلى الجنوب بعد وفاة الملك مرن رع، فقد اتبعت الدولة فى عصر سلفه الطفل الصغير بيبى الثانى نفس السياسة تجاه المناطق الجنوبية، فاستمرت رحلات حرخوف ومن بعده مغامرون آخرون من رجال الملك بيبى، وصلتنا قصصهم فى نقوش متعددة تسجل صفحات مضيئة من قصة الحضارة المصرية العظيمة، وارتباطها الوثيق بنهر النيل.