رأي عام : مقالة دكتورة / نادية مصطفي عبدالحكيم – القاهرة
اذا كان لي من تعقيب اخير علي مخرجات مؤتمر برلين او تقييمي لمدي فاعليتها وجدواها في تحقيق سلام دائم ومستقر في ليبيا في ظل توافق وطني ليبي عام علي اسس بناء دولة ليبية ديموقراطية وموحدة في المرحلة القادمة ، وهو الامل الذي يراود الجميع ممن يحبون ليبيا ويخافون عليها ، فان بامكاني القول ان هذا الهدف الاسمي وان كان هو مطلب كل الليبيين الحريصين علي تجنيب بلدهم المصير البائس الذي الت اليه اقطار عربية عديدة ليست بعيدة عنهم ، الا ان هناك الكثير من الصعاب والعراقيل التي ما تزال تقف في طريق تحقيق هذه الغاية النهائية والتي لن يكون تجاوزها والتغلب عليها سهلا بحال من الاحوال .
فكما اكدت مرارا في رسائل سابقة ان نقطة البداية الصحيحة التي لا بديل لها لكسر حدة هذا الصراع تمهيدا لانهائه ، هي باخراج تركيا اردوغان من ليبيا باطماعها المبيتة فيها وبمؤامراتها عليها ، مع ميليشياتها وعملائها ، وبسد الطريق امام جحافل الارهابيين الدواعش الذين تستجلبهم من سوريا لتزرعهم كالالغام الموقوتة في الاراضي الليبية ، وكذلك سحب الاعتراف من حكومة فايز السراج التي يثور كل هذا اللغط والجدل حولها والتي توجه اليها كل تلك الاتهامات بالخيانة والعمالة وبالتواطؤ ضد ارادة الشعب الليبي مع اردوغان من خلال تحالفات مشبوهة في دوافعها وتوقيتها وطريقة اخراجها واعلانها وهي الاتفاقيات التي رفضها البرلمان الليبي المنتخب شعبيا ، واحلالها بحكومة وفاق وطني حقيقي تحظي بدعم وتأييد وثقة الشعب الليبي فيها .
هذه في رأيي هي نقطة الانطلاق المبدئية الملائمة لتحقيق التهدئة المنشودة وايقاف كافة مظاهر العنف المسلح في ليبيا من شرقها الي غربها ، وتوحيد صفوف الليبيين وانهاء تشرذمهم وانقسامهم ، والمضي من ذلك الي اعادة بناء دولة ليبيا الجديدة : بنائها علي اسس جديدة بمعطيات جديدة ومؤسسات جديدة وفوق هذا كله بروح وطنية جديدة تكون جامعة لكل الليببين حولها . ومن ثم ، فان الاولوية التي يجب الا تسبقها اولوية اخري هي اعادة ليبيا الي الليبيين الي اصحابها الحقيقيين واخراج الدخلاء عليها والطامعين فيها من عثمانيين جدد وغيرهم منها ، وبدون ذلك فلن تكون ثمة جدوي او مستقبل لاية اجراءات او ترتيبات يتحدثون عنها في برلين او في اي مكان اخر .
ونلاحظ ان انسحاب اردوغان من مؤتمر برلين وعودته الي بلاده قبل انتهاء المؤتمر ، وبتعبيرات الغضب المكتوم التي ينطق بها وجهه ، كان يؤشر بما لا يترك مجالا للشك انه يرفض جملة وتفصيلا كل القرارات التي ستصدر عن هذا المؤتمر وكان مطلوبا منه التوقيع عليها والالتزام بتنفيذها مع غيره من الدول والحكومات المشاركة في هذا المؤتمر وتحت رقابة مجلس الامن الدولي . كان اردوغان ضد هذا كله باستثناء القرار الداعي الي وقف اطلاق نار دائم في ليبيا للاستفادة منه في تحسين موقفه وموقف ميليشياته الارهابية المسلحة علي الارض للضغط بها علي الجيش الوطني الليبي واعاقة تقدمه نحو العاصمة طرابلس لانتزاعها من قبضتهم . وهنا اقول ان اردوغان لن يلتزم ولن يقيد نفسه باي قيد يمنعه من الاستمرار في ارسال اسلحته وادخال قواته وميليشياته الي ليبيا والدفاع عن بقاء حكومة السراج في مكانها مهما كان الثمن المدفوع في ذلك .
وهنا السؤال : ماذا سيكون رد فعل الدول التي حضرت مؤتمر برلين منه ؟ هل ستعاقبه وتقاطعه ؟ وهل سيشارك حليفه الروسي في اية اجراءات تستهدف ارغامه علي الانصياع لقرارات مؤتمر برلين والعلاقات بينهما في ذروة قوتها ؟ وهل سيقبل اردوغان بفرض رقابة دولية صارمة كتلك التي يتحدثون عنها علي اية انتهاكات منه لسيادة ليبيا او لمنعه من ادخال ميليشياته المسلحة من الارهابيين وغيرهم من المرتزقة والعملاء اليها ؟ هل سيقبل اردوغان المتغطرس والمكابر الذي نعرفه باي من هذا ام انه سوف يتحداه ويعارضه علنا ويرفضه وهو ما نتوقعه منه ؟
ولهذا كله ولغيره من الاسباب كنت دائما اقول انه ما لم تاتي هذه القرارات الدولية ضمن سياقاتها الموضوعية الصحيحة وكذلك ضمن ترتيب منطقي من الاولويات وفق ما تقضي به متطلبات كل مرحلة زمنية من مراحل التسوية والحل ، فان كل ما يتحدثون عنه لن يكون سوي مضيعة للوقت . وهو ما كان وراء خراب سوريا واليمن ويتكرر الان في ليبيا .
لا اري داعيا للدخول في تفاصيل كثيرة قد تقودنا في النهاية الي توقع ما هو اسوا مما نحن فيه الان بكثير . وعلي كل حال ارجو ان اكون مخطئا في توقعاتي وادعو الله ان يخلف ظنوني حتي لا اكون صادما لمن يرون في مخرجات مؤتمر برلين غير ما اراه .
مقال رائع يوضح حقيقة ما يحاك على ليببا