نميرة نجم: الأمم المتحدة تتقاعس عن وقف تجويع غزة ومحاسبة إسرائيل

قالت السفيرة د. نميرة نجم خبيرة القانون الدولى والهجرة ومدير المرصد الأفريقى للهجرة، متسائلة: كيف يمكن تفعيل المحاسبية، محاسبية المنظمات الكبرى على غرار الأمم المتحدة، إذا كانت الدول لا تقوم بذلك؟ فعلى مرأى ومسمع من الجميع، نرى إبادة جماعية ومنع نفاذ مساعدات إنسانية للشعب الفلسطينى فى غزة، لقد تم تجويعه وهذا التجويع مستمر، ونسمع كل يوم عن زيادة أعداد من “شهداء المجاعة”، وهو مصطلح جديد عن الموت عن طريق التجويع بفعل النظام الإسرائيلى المحتل ولا يتم محاسبة أحد.
جاء ذلك أثناء مشاركة السفيرة فى المؤتمر العلمى الدولى حول “المنظمات الدولية واقتصاد السوق”، والذى يدور حول مسؤولية المنظمات الدولية وأثر التداخل مع القطاع الخاص فى التوزيع، والذى نظّمه معهد إريك كاسترن بجامعة هلسنكى بالتعاون مع دورية قانون المنظمات الدولية التى تشغل السفيرة عضوية مجلس إدارتها.
وحول المعاملات والاتفاقات التى تُبرم مع القطاع الخاص ومدى التزام الأمم المتحدة بالقانون الدولى فيها، أشارت السفيرة فى كلمتها إلى الرأى الاستشارى لمحكمة العدل الدولية حول عدم مشروعية الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية، والذى ألزمت فيه المحكمة الأمم المتحدة وأجهزتها عند تعاملها مع إسرائيل وشركاتها بضرورة التفرقة بين الأراضى الإسرائيلية وبين الأراضى الفلسطينية المحتلة.
وتساءلت السفيرة: حتى الآن هل سمعنا عن تنفيذ هذا القرار؟ هل سمعنا أن الأمم المتحدة راجعت أو شكّلت لجنة لمراجعة التعاقدات التى أبرمتها مع الشركات الإسرائيلية للتأكد أنها لا تعمل من الأراضى المحتلة، أو أنها تقوم بأنشطة تتنافى مع القانون الدولى وقواعد الأمم المتحدة بدعم المجاعة فى غزة أو فى الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطينى؟
وتساءلت السفيرة: حينما نتحدث عن تداخل القطاع الخاص مع المنظمات الدولية، هل يعرف أحد إذا كان هناك مساهمات طوعية بين الأمم المتحدة وشركات السلاح الكبرى؟ هل يتم توزيع المساعدات الإنسانية بشكل متوازن وعادل بين مناطق النزاع؟ ومن يورد المواد الغذائية وممن تُشترى تلك المساعدات؟ حيث تم اتخاذ إجراءات ضد الأونروا، ولم يتم محاسبة الدول التى اتخذت ضدها هذه الإجراءات، لماذا نتوقع محاسبة موظفى الأمم المتحدة إن انخرطوا فى فساد إذا كانت الحكومات التى تدعو إلى محاسبتهم لا تحاسب بعضها البعض؟
وأشارت السفيرة، إلى أن تداخل القطاع الخاص مع المنظمات الحكومية الدولية يتعدى المشتريات والتوزيع، أو حتى استخدام المستشارين منه، إلا أنه تزايد تدخله فى اختيار العناصر الجيدة للمراكز الكبرى فى المنظمات الدولية، وإلى مراجعة أعمال المنظمات عبر شركات المحاسبة الدولية، والتى فى كثير من الأحيان لا تُخرج تقارير قوية تدين جهة الإدارة لأنها ذات الإدارة التى تعاقدت معها، وإذا أدانتها بقوة لن تتعاقد معها مجدداً.
وبالتالى، لا توجد محاسبية حقيقية بالرغم من محاولات الإصلاح والخروج بتقارير تشير لدروس مستفادة كلها وثائق جيدة، ولكن أين نحن من التنفيذ الفاعل؟ وذكرت السفيرة العديد من الأمثلة فى هذا الخصوص من واقع خبراتها فى منظمة الأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقى، المنظمة البحرية الدولية، منظمة الهجرة الدولية وغيرها.
وأوضحت السفيرة، أن التداخل بين القطاع الخاص والمنظمات الدولية فى تزايد كبير ووضح ذلك جلياً أثناء جائحة كوفيد، حيث تم توزيع الأدوية واللقاحات فى الدول المتقدمة بسبب ضغوط آليات الإعلام العالمية، ثم تم توزيع ما تبقى على دول العالم ووصل أفريقيا اللقاح متأخراً.
وإذا أشرنا للمحاسبية، أى محاسبية تمت سواء فى إطار منظمة الصحة العالمية أو على مستوى الدول التى فرضت على العالم الحصول على لقاحات إجبارية دون الانتهاء من الاختبارات المعملية لها فى الشركات الكبرى؟ هل حُوسب أحد على استخدام أمصال أضرت بصحة البشر حتى تم منعها بعد فترة؟ حيث زجت العديد من الحكومات بالبشر إلى التهلكة بسبب ضغوط القطاع الخاص لاستمرار العمل حتى فى إطار وباء خطير أودى بحياة الألوف.
هل سمعنا عن تحقيقات فى إطار المنظمات الدولية التى يسّرت قبول أدوية أو أمصال تسبب مشكلات كبيرة للصحة؟ وهنا نجد فقدان التوازن بين العمل للمصلحة العامة، وهو الهدف الأساسى من المنظمات التى تعمل فى هذا المجال، وبين مصالح القطاع الخاص الذى أصبح يسيطر على قرارات الحكومات فى كثير من الأحيان.
وشددت السفيرة، على أن هذا النظام برمته يحتاج إلى مراجعة شاملة لضمان عودة الأمم المتحدة لتحقيق المصلحة العامة، مشيرة، إلى تقاعس الدول أعضاء الأمم المتحدة عن الوفاء بالتزاماتها حيال المنظمة للقيام بدورها الأساسى وهو الحفاظ على السلم والأمن الدوليين.
ونظّم معهد إريك كاسترن بجامعة هلسنكى المؤتمر الختامى لمشروع PRIVIGO، الذى تناول العلاقة بين المنظمات الحكومية الدولية (IGOs) والقطاع الخاص، ويعد المؤتمر جزءاً من الأنشطة الختامية لمشروع PRIVIGO، الذى حظى بتمويل من المجلس الأوروبى للبحث (ERC) ضمن برنامج هوريزون 2020 للبحث والابتكار والذى يشرف عليه جان كلابرز أستاذ القانون فى جامعة هلسنكى.
وهدف المؤتمر، إلى استكشاف وتحليل التداخل المتزايد بين القطاعين العام والخاص خاصة فى سياق المنظمات الدولية، وتم التركيز على قضايا مثل مساءلة المنظمات الدولية، الشفافية، والحوكمة، وكيفية تأثير هذه العوامل على فعالية هذه المنظمات فى تحقيق أهدافها الإنسانية والتنموية وتضمن حوارات حول تأثير التمويل الخاص على المنظمات الدولية، ودور المنظمات كجهات فاعلة فى السوق، وقضايا التوزيع والمساءلة، بالإضافة إلى مناقشة مستقبل قانون المنظمات الدولية.
شارك فى المؤتمر، عدد من الأكاديميين والخبراء البارزين فى مجال القانون الدولى منهم: البروفيسور نيلس بلوكر أستاذ سابق للقانون الدولى فى جامعة لايدن -هولندا ورئيس التحرير دورية مراجعة قانون المنظمات الدولية، البروفيسور أوغست راينيش أستاذ القانون الدولى بجامعة فيينا والمقرر الخاص للجنة القانون الدولى التابعة للأمم المتحدة حول “تسوية المنازعات التى تكون المنظمات الدولية طرفًا فيها”، جان أسبريمونت أستاذ فى كلية الحقوق بجامعة العلوم السياسية بباريس، دوروثى كامبو أستاذة القانون فى جامعة هلسنكى، إليزابيتا مورلينو أستاذة فى جامعة نابولى وعدد كبير من الأكاديميين من جامعات فرنسا، وهولندا، والولايات المتحدة الأمريكية، والنمسا، وإيطاليا، إلى جانب عدد من المسؤولين الحاليين والسابقين من منظمات دولية مختلفة.
k9o1yf