
أكدت السفيرة د. نميرة نجم خبير القانون الدولى ومحامى فلسطين أمام محكمة العدل الدولية، أن القانون الدولى الإنسانى ليس نصوصا إرشادية ولا التزامات طوعية، بل منظومة قانونية ملزمة وضعت لحماية الإنسان فى أوقات النزاعات المسلحة، ولضمان الحد الأدنى من الإنسانية فى سياقات العنف المنفلت.
وأن أى تجاهل متعمد لقواعد هذا القانون يشكل تقويضا مباشرا للنظام القانونى الدولى، وانتهاكا صارخا لالتزامات الدول والأطراف المتحاربة، خصوصا انها انتهاكات تشكل جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم جاء ذلك خلال كلمتها فى ندوة متخصصة عقدت على هامش الدورة الإقليمية العربية رفيعة المستوى فى القانون الدولى الإنسانى، التى نظمتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر فى مدينة الأقصر، بالتنسيق مع جامعة الدول العربية واللجنة الوطنية المصرية للقانون الدولى الإنسانى.
وأشارت السفيرة فى كلمتها، إلى أن سلوك العمليات العسكرية يجب أن يظل دون استثناء، خاضعا للمبادئ الأساسية للقانون الدولى الإنسانى وفى مقدمتها الضرورة العسكرية، والتناسب، والتمييز، والإنسانية، وأن التحلل من هذه المبادئ تحت ذرائع أمنية أو سياسية يفتح الباب أمام انتهاكات جسيمة تطال المدنيين، ويحول النزاعات المسلحة إلى ساحات مفتوحة للإفلات من العقاب.
وشددت، على أن اتفاقيات جنيف الأربع أرست نظاما قانونيا واضحا لحماية الجرحى والمرضى فى البر والبحر، وأسرى الحرب، والسكان المدنيين، وهى حماية غير قابلة للتعليق أو الانتقاص.
كما أكدت السفيرة، أن الفئات المتمتعة بحماية خاصة وفى مقدمتها النساء والأطفال، واللاجئون والمهجرون داخليا وعديمى الجنسية، والمراسلون الحربيون، والأشخاص الذين أصبحوا خارج القتال، تتعرض اليوم لانتهاكات ممنهجة تستدعى مساءلة قانونية عاجلة.
وحذرت، من الاستهداف المتكرر للأطقم الطبية، وفرق الدفاع المدنى، والعاملين فى المجال الإنسانى، ورجال الدين، مؤكدة، أن الاعتداء على هذه الفئات لا يمثل فقط خرقا للقانون الدولى الإنسانى، بل هجوما مباشرا على منظومة الحماية الإنسانية برمتها، ويقوض أسس العمل الإغاثى الدولى.
وفيما يتعلق بالقوات العسكرية التابعة للمنظمات الدولية، أضافت السفيرة، أن الحماية القانونية لهذه القوات لا تفهم بمعزل عن طبيعة مهامها ومستوى انخراطها فى الأعمال العدائية، وأن أى غموض أو إساءة استخدام للتفويض الدولى يحمل الأطراف المعنية مسؤوليات قانونية واضحة لا يمكن التنصل منها.
وأوضحت، أن القانون الدولى الإنسانى يستثنى صراحة الجواسيس والمرتزقة وشركات الأمن والشركات العسكرية الخاصة من نطاق الحماية، وهو ما يفرض على الدول التزاما صارما بمنع تسييل العنف أو خصخصته خارج إطار المسؤولية القانونية الدولية.
وأضافت السفيرة، أن الحماية لا تقتصر على الأشخاص فحسب، بل تمتد إلى الأعيان المدنية، والأعيان الثقافية والدينية، والبيئة الطبيعية، ومصادر رزق السكان، والمناطق المحايدة، والمناطق منزوعة السلاح، والمنشآت ذات المحتويات الخطرة، ومعسكرات أسرى الحرب وأماكن الاحتجاز، وأن استهداف هذه الأعيان، أو تحويلها إلى أهداف عسكرية، يشكل انتهاكا جسيما قد يرقى إلى جرائم دولية.
وشددت، على أن مفهوم الهدف العسكرى المشروع لا يخضع للتقدير السياسى أو العسكرى المنفرد، بل تحكمه معايير قانونية دقيقة تتعلق بطبيعة الهدف وغايته واستخداماته والفائدة العسكرية المتوقعة، مع الالتزام الصارم بمبدأ التناسب، وأى إخلال بهذه المعايير يضع المسؤولين عنه تحت طائلة المساءلة القانونية الدولية.
وفى ختام كلمتها، أكدت السفيرة أن التحدى الحقيقى الذى يواجه المجتمع الدولى اليوم لا يتمثل فى نقص القواعد القانونية، بل فى تآكل احترامها وضعف تنفيذها.
ودعت، إلى تفعيل آليات المساءلة الدولية والاستفادة من اجتهادات وأحكام محكمة العدل الدولية، وترسيخ ثقافة قانونية تضع حماية الإنسان فى صلب القرار السياسى والعسكرى، وأن استمرار الصمت أو التراخى إزاء الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولى الإنسانى يمثل تواطؤا غير مباشر، ويهدد السلم والأمن الدوليين على المدى الطويل.
وأعربت السفيرة، عن شكرها للجهد المبذول من الصليب الأحمر من أجل التوعية بالجوانب النظرية والعملية الخاصة بسير العمليات العسكرية وحماية المدنيين فى تلك الأوقات العصيبة فى منطقتنا.
وشهدت الدورة، مشاركة متحدثين بارزين من المنطقة العربية، حيث قال السفير محمد الأمين ولد أكيك الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية للشؤون القانونية: إن القانون الدولى الإنسانى “يشهد تحديات غير مسبوقة”، داعيا إلى رفع الصوت الجماعى لوقف هذا التراجع فى احترام قواعده.
من جانبها، أكدت القاضية سوزان فهمى مساعد وزير العدل المصرى والأمين العام للجنة الوطنية المصرية للقانون الدولى الإنسانى، أن “احترام قواعد القانون الدولى الإنسانى هو حجر الزاوية فى الاستقرار الإقليمى”، معربة، عن ثقتها فى أن الدورة ستعزز فهم المشاركين ومهاراتهم وتسهم فى بناء ثقافة احترام القانون الدولى الإنسانى.
كما شددت رئيسة بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر فى القاهرة آنا براز، على أن احترام القانون الدولى الإنسانى، عندما طبق فعليا، “أنقذ أرواح المدنيين، وحمى المستشفيات والعاملين فى المجال الطبى، ومكن المساعدات الإنسانية من الوصول إلى المحتاجين”.