ممثل أوكرانيا لدى الشرق الأوسط: نولى أهمية بالغة لتطوير تعاوننا مع جامعة الدول العربية   

 

ألقى ممثل أوكرانيا لدى الشرق الأوسط، د. مكسيم، كلمة أمام مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين قال فيها:

إنه لشرف عظيم لى أن أتحدث اليوم أمام جمعكم المهيب.

إن تنصيب بعثة الممثل الخاص لأوكرانيا لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا من قبل رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكى وتعيينى فى هذا المنصب ما هو إلا دليل على الأولوية القصوى التى توليها أوكرانيا وقيادتها لتكثيف حوارها السياسى مع البلدان العربية، وتطوير التعاون التجارى والاقتصادى والاستثمارى وتفعيل الاتصالات فى مجال الزراعة والأمن الغذائى والطاقة والنقل والطيران وبناء السفن والاستغلال السلمى للفضاء وكذلك التعليم والرعاية الصحية والسياحة وتعميق التعاون والتنسيق فى إطار الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية المؤثرة.

ويحدونى الأمل أن يكون لى الشرف أن أتواصل معكم اليوم على شكل حوار تفاعلى بغية التبادل بالأفكار والرؤى حول جملة من القضايا التى تهمنا جميعًا.

تولى أوكرانيا أهمية بالغة لتطوير تعاونها مع جامعة الدول العربية التى تعد إحدى المنظمات الدولية الأكثر نفوذاً والتى تلعب دوراً محوريا فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. 

ونتطلع إلى تعزيز علاقاتنا الثنائية مع الجامعة العربية فى إطار تفعيل مذكرة التفاهم الموقعة بين وزارة خارجية أوكرانيا والأمانة العامة لجامعة الدول العربية عام 2009.

تشاطر أوكرانيا جامعة الدول العربية مقارباتها ومواقفها تجاه العديد من القضايا الدولية والإقليمية الراهنة التى تملى علينا ضرورة التنسيق المتواصل من أجل بناء عالم أكثر أمنا واستقرارا.

وفى هذا السياق، أود أن أشكر البلدان العربية كافة على دعمها لأوكرانيا فى إطار الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى. 

كما أننى آمل أن يستمر هذا التعاون فى أجواء مفعمة بروح المودة والتفاهم فيما يخص العديد من القضايا الدولية والإقليمية الهامة.

وأود أن أشير إلى أن أوكرانيا كانت دوما ولا تزال معنية بقضايا الشرق الأوسط وإفريقيا وإنها لم ولن تألُ جهدا فى سبيل حلها وتسويتها سلميا عبر الحوار والتفاوض.

وفى هذا السياق، لابد من الإشارة إلى أن كييف حريصة على الالتزام بمواقفها المتوازنة وغير المنحازة بشأن عملية السلام فى الشرق الأوسط رغبة منها فى تطوير علاقات مستقرة وبناءة مع جميع الدول العربية وإسرائيل.

إننا نؤيد حل النزاع الإسرائيلى – الفلسطينى فى إطار القانون الدولى وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة على أساس مبدأ حل الدولتين – إسرائيل وفلسطين – اللتين تعيشان جنبًا إلى جنب فى سلام وأمان. 

وفيما يتعلق بمسألة الوضعية القانونية للقدس الشريف فإنه لابد من مراعاة القانون الدولى وتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولى ذات الصلة.

إن أوكرانيا تتابع عن كثب التحولات الجارية فى ليبيا، ونأمل أن تنتهى الفترة الانتقالية الراهنة بنجاح عبر إجراء انتخابات نزيهة وشفافة من أجل تمكين الشعب الليبى من التوصل إلى حلول توافقية تنهى الاحتقان السياسى وتجمع جميع الفرقاء بغية ضمان ازدهار ليبيا واستقرارها سياسيا وأمنيا واقتصاديا.

إننا قلقون أيضًا من التطورات الخطيرة فى اليمن، ونأمل فى استعادة هذا البلد العربى الصديق للسلام فى أقرب الآجال، وفى هذا الصدد نأمل أن تفضى الهدنة القائمة فى اليمن إلى حل شامل للنزاع الدائر فى اليمن يؤدى إلى إحلال سلام عادل ودائم هناك.

كما إننا ننتهز هذه الفرصة لدعوة كل من الجزائر والمغرب إلى تكثيف الجهود الدبلوماسية من أجل إطلاق عملية تفاوضية للإسهام فى تقريب وجهات النظر وتسوية الملفات العالقة بين هذين البدلين الصديقين لأوكرانيا.

ونأمل أيضاً، استقرار الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية فى كل من العراق ولبنان والسودان.

تشعر أوكرانيا بالقلق الشديد إزاء التوتر الحاصل فى العلاقات بين إثيوبيا من جهة،  ومصر والسودان من جهة أخرى، وتدعو جميع الأطراف إلى تسوية تفاوضية للأزمة المتعلقة بسد النهضة، ونؤمن إيمانا راسخا أن قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية لدول المنطقة لا ينبغى أن تُحل على حساب أمن وسلامة شعوبها.

كما تعرفون لقد اضطرت أوكرانيا مُجبرة على قطع علاقاتها الدبلوماسية مؤخرًا مع الجمهورية العربية السورية، التى كان يجمعنا بشعبها لسنوات عديدة تعاون قوى وعلاقات متينة. 
إن اعتراف سوريا مؤخرًا بما يسمى ب “استقلال” الأراضى الأوكرانية المحتلة مؤقتًا فى منطقتى دونيتسك ولوهانسك يعد عملاً غير ودى تجاه أوكرانيا، وللتذكير جاء ذلك القرار تلو اعتراف النظام السورى بالأراضى المحتلة مؤقتًا فى جمهورية القرم المتمتعة بالحكم الذاتى وإقراره الرسمى بتبعيتها لروسيا عام 2016. 

حيث لا يساورنا الشك أن النظام السورى يحاول من خلال تلك الممارسات غير القانونية شرعنة الكيانات الزائفة وإدارات الاحتلال الروسى غير الشرعية فى منطقتى دونيتسك ولوهانسك الأوكرانيتين وذلك بإيعاز وإلحاح شديدين من الكرملين.

أعرب عن امتنانى لجامعة الدول العربية – قيادة وممثلين دائمين للدول الأعضاء فى الجامعة – على استعدادهم لإيجاد السبل والوسائل الكفيلة من أجل إنهاء العدوان الروسى على أوكرانيا، كما أننا نقدر تقديرا عاليا المبادرة العربية التى تم بموجبها إنشاء مجموعة الاتصال لتسوية “الأزمة فى أوكرانيا” ونثمن المفاوضات التى أجراها أعضاء تلك المجموعة مع وزير خارجية أوكرانيا دميترو كوليبا مطلع شهر أبريل فى وارسو.

جميعكم يعلم جيدًا مجريات الأحداث الأخيرة فى أوكرانيا، والتى يتم تغطيتها من قبل أبرز وكالات الأنباء العالمية والإقليمية بصورة مستمرة.

فى هذه الأيام يمر بلدى بأصعب الأوقات فى تاريخه، ومنذ ما يقرب من ستة أشهر تقاوم أوكرانيا العدوان الروسى الوحشى وغير المبرر  ضدها.

ولسوء الحظ، فإننا نشهد اليوم ونحن نعيش فى القرن الحادى والعشرين، إحياء لبقايا و مخلفات الماضى تجسدت فى الاستعمار الجديد الذى تمارسه روسيا فى حق أوكرانيا وشعبها المسالم، ألا وهو الاستعمار الروسى الغاشم.

لقد سبق للزعيم الروسى فلاديمير بوتين مرارًا وتكرارًا إنكار حق أوكرانيا فى الوجود كأمة مستقلة بحجة تصوره الوهمى وفهمه الخاطئ لما يسميه “بالأمة الموحدة والشعب الواحد”. 
عن أى صلة رحم أو قرابة يتحدثون وهم يقتلون إخوانهم الأبرياء والمدنيين العزل بالجملة؟ 

صدق الشاعر عندما قال: وظلم ذوى القربى أشدد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند.

ما تقوم به روسيا ضد أوكرانيا ليس مجرد حرب إمبريالية جديدة، بل محاولة لطمس الهوية الأوكرانية ومحو سيرة الأوكرانيين من كتب التاريخ وحرمانهم من مكانتهم بين أسرة الدول الحرة. 

إن الغزو الروسى لأوكرانيا هو إبادة جماعية  وأن روسيا تتحمل دون غيرها كامل المسؤولية عن انتهاكها لاتفاقية منع جريمة  الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.

إن التاريخ يؤكد لنا أن الاحتلال والحروب وخلق الصراعات هى صفات السياسية الروسية التسلطية، علمأ بأنها كانت تسعى دائمًا إلى توسيع دائرة نفوذها فى كل مكان من العالم، بما فى ذلك فى العالم العربى، و الآن نحن نشهد كيف تحاول روسيا ممارسة التحريض والتدخل فى النزاعات الإقليمية من أجل زيادة نفوذها كما هى الحال فى بعض البلدان العربية التى لا تزال تشهد حالة من عدم الاستقرار الداخلى والتناحر.

وأود أن أؤكد لكم أن القانون والحق إلى جانبنا، وهو الأمر الذى تجلى بوضوح فى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت عنوان “العدوان على أوكرانيا” الذى تم تبنيه فى 2 مارس 2022، والذى يطالب الاتحاد الروسى بالتوقف الفورى عن الاستخدام غير القانونى للقوة ضد أوكرانيا وسحب جميع قواته من الأراضى الأوكرانية، وأننا ممتنون لجميع الدول التى أيدت ذلك القرار وصوتت لأجله.

يُعرّف قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3314 الصادر فى 14 ديسمبر 1974 الحرب العدوانية على أنها “جريمة ضد السلام الدولى”، والأكثر من ذلك فإن القانون الجنائى للاتحاد الروسى فى المادة 353 يعرف التخطيط والتحضير وشن الحروب العدوانية على أنه عمل إجرامى يعاقب عليه القانون بالسجن لفترات زمنية طويلة، ولهذا السبب اضطرت روسيا أن تطلق على عدوانها ضد أوكرانيا مسمى “العملية العسكرية الخاصة” للتحايل على القانون الدولى وتضليل الرأى العام.

وفى هذه المناسبة لا يسعنى سوى أن اتقدم مجددًا بخالص شكرى وامتنانى للبلدان العربية التى أيدت قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤيدة لأوكرانيا لا سيما قرار “العدوان على أوكرانيا” والقرار الآخر المسمى “العواقب الإنسانية للعدوان على أوكرانيا”.

وفى الوقت نفسه، فإننا نعول على دعم أوسع من قبل العالم العربى لجميع القضايا المدرجة على جدول أعمال الأمم المتحدة والتى تتعلق بإدانة العدوان الروسي المسلح على أوكرانيا وسبل إيقافه.

ومن المهم جدا أن يتم الأخذ بعين الاعتبار الحقيقة أن أوكرانيا لم تخطط لأية أعمال عسكرية سواء فيما يتعلق بالأراضى المحتلة مؤقتًا فى الدونباس أو ضد الاتحاد الروسى على حد سواء. 

وأن جميع الاتهامات الموجهة لأوكرانيا التى يُزعم بأنها كانت تحضر لمثل تلك الهجمات هى باطلة ولا تمت للواقع بصلة. 
إن العدوان الروسى هو اعتداء غير مبرر تمامًا يهدف من بين الأمور الأخرى  إلى حرمان أوكرانيا من الحق فى ممارسة خيارها السيادى فيما يتعلق بالاندماج فى الفضاء الأوروبى والأطلسى.

والآن نرى أن هناك دولا جديدة مجاورة لروسيا اقتربت من عتبة العضوية فى الناتو، لكن موسكو تغض طرفها عن ذلك فى حين أنها توبخ أوكرانيا وتنحى عليها باللائمة على خيارها بشأن عزمها على استكمال مسارها الاندماجى نحو الاتحاد الأوروبى ومنظمة حلف شمال الأطلسى وهما هدفان استراتيجيان مسطران فى الدستور الأوكرانى.

وقبل ضم شبه جزيرة القرم واحتلال روسيا لأجزاء من منطقتى دونيتسك ولوهانسك، ظلت أوكرانيا دولة محايدة ولم يكن لديها نية فى الانضمام إلى أى تكتلات عسكرية أو سياسية. 

لكن عام 2014، انتهك الاتحاد الروسى الالتزامات المأخوذة على عاتقه عام 1994 عندما تعهدت روسيا أن تكون أحد الضامنين لأمن أوكرانيا وسلامتها، طبقا لما هو منصوص عليه فى مذكرة بودابست، ولذا فإن روسيا تتحمل كامل المسؤولية عن تعقيد الأوضاع الأمنية ​​فى أوروبا الشرقية وحوض البحر الأسود والقوقاز والشرق الأوسط وأفريقيا.

لا يخفى عليكم أن روسيا تقوم بإرسال مرتزقتها العسكريين الخاضعين لسيطرة الكرملين إلى دول مختلفة من إفريقيا لتوجههم نحو تدبير عمليات تمرد وعصيان والتخطيط لانقلابات عسكرية هناك مما يعرض للخطر السلم والأمن ليس فقط فى تلك الدول بل وفى أرجاء أخرى من القارة الأفريقية، كما أنهم يمارسون نهب خيرات تلك الدول ومواردها الطبيعية.

فى حين، لا تتجرأ روسيا على تحمل المسؤولية رسميًا عن الأعمال الإجرامية التى ترتكبها شركاتها العسكرية الخاصة.
لقد كنتم جميعًا حاضرين فى هذه القاعة خلال خطاب وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف، الذى قال لكم بصريح العبارة: أن موسكو ستبذل قصارى جهدها “لتحرير أوكرانيا مما أسماه بالنظام المعادى للشعب والمعادة للتاريخ”. 

فإذا ما قمنا بتحليل ما قاله المسؤول الروسى رفيع المستوى بصفته وزيرا للخارجية لإحدى الدول الأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة نجد فى خطابه دعوة مباشرة للإطاحة بحكومة أوكرانيا الشرعية والمنتخبة عبر انتخابات حرة ونزيهة، وهو الأمر الذى يبرز جليا أن روسيا اختارت نهج ازدراء مبادئ القانون الدولى عبر الانتهاك الفاضح لقواعد حسن الجوار، وكذلك مبادئ عدم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها.

فى السنوات الأخيرة، شهدت المنطقة العربية عددًا من الصراعات إلى جانب العديد  من القضايا الأمنية التى لم يتم حلها بعد، ولذلك تبدو حرب روسيا ضد أوكرانيا قضية بعيدة عن المشهد العربى أو غريبة عليه، لكنها فى الواقع  ليست كذلك، لأن الحرب الروسية على أوكرانيا تسببت فى حدوث أزمات فى مجال الطاقة والغذاء على مستوى العالم ككل، أما عواقبها فهى ملموسة وواضحة المعالم فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

مع كل يوم من استمرار الحرب الروسية، تظل الأسواق العالمية، بما فى فيها أسواق البلدان العربية فى أمس الحاجة للإمدادات من أوكرانيا من مختلف أنواع المنتجات كالقمح والزيت والشعير وغيرها من السلع الأوكرانية المشهورة.

ونتج عن هذا الوضع المتأزم ضغوطات كبيرة على أسعار المواد الغذائية، ليس فقط فى البلدان العربية والأفريقية، وإنما أيضًا فى جميع أنحاء العالم لاسيما الدول الأشد فقرا. 

إننا على يقين من أن الطبقة الوسطى ستعانى من نقص التموين أيضًا، ونخشى أن تتبع نقص التوريدات الغذائية فوضى سياسية يمكن أن تؤدى إلى عواقب غير مرغوب فيها وصولا إلى سقوط حكومات وانهيار العديد من الأنظمة السياسية. 

ويمكنكم التنبؤ بتلك الكارثة بمجرد المتابعة للارتفاع الجنونى فى أسعار المنتجات الأساسية فى الأسواق العالمية وعلى مستوى بعض الدول الأكثر عرضة للأزمة الغذائية، وكل ذلك يأتى كنتيجة مباشرة لأفعال روسيا العدائية.

اليوم لدينا فى أوكرانيا أكثر من 20 مليون طن من الحبوب يمكن تصديرها  بشكل أساسى إلى الدول العربية والأفريقية. 
لكننا حتى وقت قريب لم نكن قادرين على القيام بذلك بسبب محاصرة موانئنا البحرية التى فَرض عليها الغزاة الروس غلقا تاما وحصارا محكما.

ولعدة أشهر، دأب المعتدون الروس عن عمد على تدمير الصوامع والمخازن المملوءة بالحبوب وتحطيم البنية التحتية المتاخمة للأنهار والموانئ البحرية فى جنوب أوكرانيا، ثم باشر الروس بسرقة ونهب الحبوب الأوكرانية بالجملة فى محاولة منهم لتسويقها عبر العالم. 

من خلال افتعال مشكلة المجاعة المصطنعة  تحاول موسكو ابتزاز العالم وإخضاعه لأوامرها وتصرفاتها غير النزيهة واضعة كافة الدول أمام الأمر الواقع.

إن مهمتنا تكمن فى إطلاع المجتمع الدولى على طبيعة مقاومتنا للإرهاب الروسى من خلال ممارسته لسياسة التجويع، ورداً على الأخبار الزائفة التى تروج لها روسيا أن النقص فى المنتجات الغذائية نشأ بسبب العقوبات المفروضة عليها، لا بد لى أن أؤكد لكم بكل صراحة بأن السبب الحقيقى والوحيد فى نشوب الأزمة الغذائية الراهنة هو الحصار الروسى للموانئ الأوكرانية وليس العقوبات، حيث أن العقوبات الأوروبية والأمريكية لم تطل الحبوب أو المواد الغذائية، وعلى كل حال فإننا فى أوكرانيا مستعدون لمواصلة توريد الحبوب إلى الأسواق العالمية بكل حزم وجدية.

كلكم تعلمون أنه بفضل المفاوضات المضنية والوساطة الفعالة لبعض شركائنا بدأ مؤخرًا التنفيذ العملى لخطة استئناف تصدير الحبوب الأوكرانية وغيرها من المنتجات الزراعية من موانئنا الواقعة على البحر الأسود نحو شركائنا وزبائننا فى الشرق الأوسط وأفريقيا.

لكن فى الوقت الراهن لم يحن الوقت بعد لاستخلاص الاستنتاجات أو التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور مستقبلا، إلا أن الموانئ استأنفت نشاطاتها، وبدأت حركة التصدير – الأمر الذى يمكن اعتباره كأول إشارة إيجابية على وجود فرصة تسمح بوقف تفاقم أزمة الغذاء وهدفنا الآن هو أن نحافظ على تلك النزعة الإيجابية فيما يخص ضمان استمرارية تصدير الحبوب والغذاء.

لكن فى الوقت الحالى، كل شىء يعتمد على التقيد بالمعايير الأمنية لتلك المبادرة، وهى مسؤولية شركائنا أيضًا  وعلى رأسهم الأمم المتحدة وتركيا.

وأود أن أؤكد لكم مرة أخرى أن أوكرانيا كانت وستظل موردًا موثوقًا به وشريكًا واعدا وصدوقا لبلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على الرغم من أننا نتوقع هذا العام تسجيل خسائر كبيرة فى حجم محاصيلنا بنسبة الثلث بسبب الحرب الروسية علينا.

بموازاة ذلك، لا تزال روسيا مستمرة فى تصدير الحبوب الأوكرانية المنهوبة من الأراضى الأوكرانية المحتلة مؤقتًا باتجاه بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ونحن نشعر بالقلق الشديد إزاء المحاولات الروسية الأخيرة لإرسال حبوب أوكرانية مسروقة إلى عدد من الدول العربية، ونقدر موقف تلك الدول التي رفضت دخول السفن التى تحمل حبوبًا أوكرانية مهربة إلى موانئها البحرية. 

كما أود من خلالكم – أيها السادة ممثلو الدول العربية المشاركة فى هذا الاجتماع – أن أناشد سلطات البلدان العربية من الخليج إلى المحيط وأدعوها لحجز جميع شحنات الحبوب المشبوهة لأن إفلات روسيا من العقاب سيشجعها على مواصلة سرقة الحبوب من الجنوب الأوكرانى المحتل. 

علاوة على ذلك، فإن التغاضى عن الإجراءات غير القانونية التى تقوم بها روسيا يقوض الأمن الغذائى للدول العربية نفسها، كما أنه سيدفع بأوكرانيا باعتبارها شريكا موثوقا به بعيدًا عن بلدانكم و هذا أمر لا نريد له أن يحصل.

إننى على علم بأن الغالبية العظمى من الدول الممثلة هنا اليوم ترفض مقاربة فرض عقوبات اقتصادية أحادية الجانب كآلية لحل الأزمات، لكن فى الوقت نفسه، علينا القول بأن تطبيق العقوبات الاقتصادية الدولية بات أمرا ضروريا ومبررا للغاية فى حال استمرار العدوان الروسي، و الأكثر من ذلك هو أن روسيا التى تتمتع بصفة عضو دائم فى مجلس الأمن الدولى فإنها تعارض اعتماد كافة القرارات الملزمة قانونًا، على الرغم من الإدانة الدولية بالإجماع لغزوها غير القانونى لأوكرانيا. 

ولذا ارتأينا بأن العقوبات الاقتصادية الموجعة هى الأداة والوسيلة الوحيدة القادرة على إعادة روسيا إلى رشدها.

إننا ندعو جميع الدول العربية للانضمام إلى نظام العقوبات ضد روسيا الاتحادية وعدم التسهيل لها بأى شكل من الأشكال التفافها على القيود المفروضة عليها والتملص منها.

وهذا ينطبق بشكل خاص على البترول ومشتقاته، حيث أفادت وكالات الأنباء العالمية عن تسجيل محاولات روسية متكررة فى تسويق نفطها عن طريق التحايل على العقوبات الغربية عبر الموانئ النفطية لا سيما الموجودة فى بعض الدول العربية.

إننا نقدر عاليا المساهمة الكبيرة لوسائل الإعلام العربية فى إحاطة المجتمعات العربية بالمعلومات الموضوعية حول العدوان الروسى المسلح على أوكرانيا.

وفى هذا الصدد، فإنه من المهم للغاية أن يتلقى الجمهور الناطق بالعربية معلومات موضوعية وقائمة على الحقائق حول الأحداث فى أوكرانيا -خاصة الآن- عندما تلجأ روسيا بكل قوة إلى إطلاق حملات التضليل الإعلامى للرأى العام حول طبيعة ومسببات عدوانها على أوكرانيا فى محاولة منها لإضفاء الشرعية على العدوان الروسى المسلح وإنشاء منصات إعلامية كثيرة لتبرير سياسة موسكو التوسعية.

وربما يتبادر إلى ذهنكم سؤال ما إذا كانت أوكرانيا مستعدة لخوض مفاوضات سلام مع روسيا؟ أو ربما تتساءلون حول المواعيد الزمنية الممكنة لإنهاء تلك الحرب؟ فأنا مستعد للإجابة بصدق على هذه الأسئلة المهمة والوجيهة.

ما تريده روسيا هو استسلام أوكرانيا واحتلال أراضيها، وقد يكون ذلك الاحتلال احتلالًا تدريجيا وعلى مراحل، لكن هدفهم المنشود هو الاستيلاء الكامل على أوكرانيا وتحويلها إلى مستعمرة أو شبه دولة تبقى مفاتيحها فى أيدى الكرملين، إلا أن ذلك لن يحدث، سوف يدافع الشعب الأوكرانى عن نفسه وعن أرضه، وهذا حقه الذى منحه له القانون ورب العالمين. 

لن يقبل الشعب الأوكرانى أبدًا لغة التهديد والوعيد، نحن لن نتخلى عن شبر من أراضينا المشروعة، وعلى روسيا أن توقف عدوانها علينا، ونحن ندرك ادراكا تاما أن وقف إطلاق النار لن يكون سوى هدنة مؤقتة، ستواصل بعدها روسيا حربها للإستيلاء على باقى الأراضى الأوكرانية.

كلكم تتذكرون وتعرفون جيداً مبدأ “الأرض مقابل السلام” ، الذى هو أساس مبادرة السلام العربية. 

وبالتالى فإن أوكرانيا شأنها شأن البلدان العربية، لن تتخلى عن سيادتها من أجل تحقيق ما يمكن أن يعتبره البعض سلامًا أو هدنة. 

لن يتحقق السلام الدائم والشامل بين أوكرانيا والاتحاد الروسى إلا عندما تسحب موسكو بشكل كامل ونهائى جميع قواتها من الأراضى الأوكرانية، وكما صرح الرئيس الأوكرانى منذ عدة أيام أنه فى حال إقدام روسيا على تنظيم ما يسمى بالاستفتاءات الزائفة داخل الأراضى الأوكرانية المحتلة منذ بداية العدوان فسوف تكون تلك الخطوة بمثابة نهاية لأى عملية تفاوض محتملة بين أوكرانيا وروسيا فى المستقبل.  

وفى الختام، أود أن أتمنى لكم جميعا ولبلدانكم الصديقة قمة عربية ناجحة فى الجزائر مطلع شهر نوفمبر القادم آملا بأن تحظى القضية الأوكرانية قسطا كبيرا واهتماما خاصا ضمن جدول أعمال تلك القمة المرتقبة.

إن أوكرانيا، التى تواجه إرهاب دولة تمارسه روسيا فى حقها، تدرك مدى خطورة هذا التحدى بالنسبة للدول العربية أيضًا. 

ولذلك، فإن أوكرانيا مستعدة استعدادا تاما للمساهمة فى التغلب على تجاوز المشاكل والقضايا الساخنة فى الشرق الأوسط وأفريقيا لا سيما فى منطقة الساحل الأفريقى وتطمح فى المقابل فى دعم الدول العربية لها من أجل مواجهة الإجراءات غير القانونية والإجرامية التى تقوم بها روسيا ضد أوكرانيا.

ونحن نرى أن الدعم الفعال لنا من طرف الدول الأعضاء فى الجامعة العربية فى مقاومتنا للعدوان الروسى المسلح لن يتعارض مع مبادئ السياسة الخارجية للدول العربية الداعية إلى احترام سيادة الدول واستقلالها وسلامة أراضيها، وحرمة حدودها المعترف بها دوليًا، وعدم استخدام القوة لحل النزاعات وعدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول.

وأخيرا يسعدنى ويشرفنى أن أحيطكم علما عن رغبة  الحكومة الأوكرانية عقد مؤتمر القمة الثانى لمنصة القرم تحت الرعاية السامية لرئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكى والذى يعقد افتراضيا فى 23 من الشهر الجارى عشية احتفال أوكرانيا بالذكرى الواحدة والثلاثين للاستقلال، ولذا يسعدنى أن أنتهز هذه المناسبة الطيبة لأجدد دعوتنا لرؤساء بلدانكم الصديقة للمشاركة الافتراضية فى تلك القمة من خلال إلقاء كلمة ترحيبية قصيرة أو إرسال تسجيل مصور لزعماء البلدان العربية مما سيسهم إن شاء الله فى الإنهاء العاجل للحرب الدائرة فى أوكرانيا ووقف إراقة الدماء.  

وفى ختام كلمته قال: أشكركم جزيل الشكر على حضوركم لهذا اللقاء التعارفى الأول من نوعه، كما أشكر رئاسة الجامعة العربية على سرعة استجابتها وحسن تنظيمها لهذا اللقاء الافتراضي الهام.

أغتنم هذه السانحة لأجدد لكم شكرى وعرفانى على تفاعلكم القوى مع القضية الأوكرانية آملا بأن تجمعنى بكم لقاءات أخرى فى المستقبل القريب إن شاء الله خلال زيارتى المرتقبة إلى القاهرة قبل نهاية العام الجارى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »