رأي عام بقلم : دكتورة/ نادية مصطفي عبد الحكيم “الامارات والتعجل في التطبيع مع اسرائيل”

 

 

– – – انه وقبل التحدث عن ما احدثه قرار دولة الامارات العربية من اضرار جسيمة للقضية الفلسطينية وللامن القومي العربي علي نحو ما يروج كثيرا الآن ، فان السؤال الذي يسبقه هو : هل يوجد اطار استراتيجي قومي شامل ومتوافق عليه لهذا الامن القومي العربي الذي لا نكل من الحديث عنه : اطار يتضمن تحديدا واضحا لاهدافه واولوياته وآلياته ، ولحدوده المكانية ، ولمصادر تهديده ولاسلوب الرد عليها والتعامل معها، في ظل توزيع محدد للادوار والواجبات والتكليفات علي المشاركين فيه بمعيار القدرات والامكانات النسبية المتاحة لكل منهم علي غرار ما تاخذ به كافة نظم الامن الجماعي والدفاع المشترك والمحالفات الدولية المعروفة في العالم ؟ وهل ما يزال الصراع مع اسرائيل يحتل موقع الصدارة من بين كل مصادر التهديد والخطر الاخري علي الامن القومي العربي كما يتردد في المجادلات الدائرة الإن حول التداعيات الامنية المحتملة لما اقدمت عليه دولة الامارات العرببة من نطبيع واعتراف وتبادل علاقات مع اسرائيل ؟ وهل هناك فعلا استراتيجية محددة تتعامل بها الاطراف العربية مع هذا الصراع حتي يقال ان خروج بعض الاطراف العربية منها سوف يضعف من فاعليتها او يؤثر سلبا عليها ؟ كما نتساءل مع كثيرين غيرنا عن دواعي كل هذا التسلح العربي عامة والخليجي خاصة بمئات المليارات من الدولارات سنويا في غياب نظام دفاع عربي مشترك او نظام امن قومي عربي يشغل الصراع العربي الاسرائيلي مركز الصدارة فيه ؟ ولماذا تخزينه وتكديسه ليبقي عاطلا يعلوه الصدأ ولا تقيم اسرائيل وزنا له في حساباتها السياسية او في استراتيجياتها الامنية وخططها العدوانية ومشاريعها الاستيطانية ؟ والمحصلة هي ان الجيوش العربية تتسلح كما لا تتسلح اي جيوش اخري في العالم والارقام تشهد علي ذلك ، لكن هذا السلاح لم ولن ياخذ طريقه يوما الي اسرائيل وما يدفع فيه ليس سوي رشوة مقنعة تدفعها الدول المشترية له الي الدول الكبري لحماية انظمة الحكم فيها من تهديدات الداخل والخارج…وهو هدف لا علاقة له بالصراع العربي الاسرائيلي ولا بالقضية الفلسطينية من قريب او بعيد…وكل ما يقال غير ذلك يخالف الحقيقة ويجافي الواقع…والا لرايناه حاضرا في كل الحروب والمواجهات العسكرية التي حدثت مع اسرائيل طيلة عقود وعقود وكان بعيدا منها او غائبا عنها…..

– – – ثم ناتي الي سوال آخر لا يقل اهمية عن سابقه ، وهو : الم يؤدي انفجار كل تلك الصراعات المسلحة والازمات المدمرة في العديد من دول المنطقة العربية وعلي مدار عشر سنوات متصلة وما تزال علي اشدها الي تراجع القضية الفلسطينية ومعها الصراع العربي الاسرائيلي برمته ليصبح في ذيل قائمة الاهتمامات والاولويات الامنية والسياسية العربية بالنظر الي الدمار الشامل الذي تعيشه مع نفسها الآن ولم يعد يسمح بخوض حرب ضد اسرائيل او ضد غيرها من الدول المعادية ؟ والا يسبق هذا الصراع التاريخي في الترتيب الآن قضايا اخري بالغة الخطورة والحساسية كالارهاب الديني والحروب الداخلية والتدخلات الخارجية المسلحة وانتهاكات السيادة الوطنية والاعتداءات السافرة وغير المبررة علي حرمة اراضي الدول واحتلالها وحروب المياه وانتشار الفوضي وتفشي العنف َوعدم الاستقرار وانهيار الامن في غيبة المؤسسات العسكرية الوطنية القادرة علي الدفاع عنه بعكس الحال في الماضي عندما كانت هذه المؤسسات الامنية حاضرة وفاعلة ومؤثرة ؟ والم تكتسح كل تلك التحولات الساحقة المفاهيم الامنية التي سادت المنطقة العربية في الماضي عندما كان لا خطر او تهديد امني يشغلها ويؤرقها ويستحوذ علي اهتمامها غير الصراع مع اسرائيل باعتباره صراعا مصيريا وابديا من اجل الوجود والبقاء ، لتحل مكانها مفاهيم امنية اخري مغايرة لها تماما حيث تعددت الشواغل الامنية وتشعبت مصادرها وتداخلت ابعادها مع بعضها وتعقدت بصورة تكاد تستعصي علي الحل او حتي علي الفهم ؟ والا نحس ذلك ونلمسه بل ونعيشه ونكتوي بنتائجه وتبعاته المدمرة كما لم يحدث لنا ابدا في تاريخنا القريب منه والبعيد ؟ والا نري ما يحدث حولنا من اليمن الي العراق ومن سوريا الي ليبيا ولبنان حيث الحرائق مشتعلة في كل مكان لا تجد من يخمدها ؟… وهل يدخل العقل ان دولا تتعذب بهذا الواقع الداخلي الماساوي وتدفع ثمنا باهظا له ستجد مكانا للقضية الفلسطينية علي قائمة اهتماماتها لتشغل به نفسها علي حساب ازماتها التي تسحقها وتدمر لها حياتها وتحيل الملايين فيها الي مشردين ولاجئين عابرين للحدود بلا امل في العودة الي ديارهم التي اجبروا علي الفرار منها هربا من الجحيم الذي يعيشونه في اوطانهم ؟… ناهيك عن ازمات الحكم الحادة والمتفاقمة في اقطار عربية اخري كتونس والسودان وجنوب السودان والصومال وهي الازمات التي تستنزف طاقات هذه الدول ولا تتيح مكانا لغيرها من الهموم والصراعات، سواء كانت صراع عربي – اسرائيلي او غيره من الصراعات…. اليس هذا هو الواقع بكل مرارته وقسوته وتحدياته ام اننا نتحدث عن عالم افتراضي لا وجود له في الواقع ؟….

. واخيرا نصل الي السؤال الأهم وهو : هل كان لعدم اعتراف دولة خليجية صغيرة كالامارات باسرائيل تأثير ايجابي يذكر علي اية جهود دولية ترمي الي ايجاد حل عادل ونهائي للقضية الفلسطينية وهي ليست دولة مواجهة بالاساس وانما هي دولة هامشية التاثير ؟ واذا كان هذا صحيحا ، فما هو الدليل عليه واين هي مؤشراته التي تدعمه وتعززه بعد ان سدت اسرائيل الابواب في وجه كل الجهود التفاوضية والوساطات الدولية وجعلتها تلف وتدور طول الوقت حول نفسها في حلقة مفرغة لا نهاية لها حتي لو استمرت لمائة سنة قادمة ، فاين موقع الامارات من هذا كله ؟ ثم انه اذا كانت اسرائيل قد اقامت جدارها العازل منذ سنوات طويلة وضمت القدس الشرقية اليها واعلنتها مع القدس الغربية عاصمتها الابدية الموحدة، ثم الحقتها بضم الجولان اليها، فماذا فعل العرب لوقف هذا العدوان قبل ان تعترف الامارات باسرائيل حتي نقارن بين مرحلتي ما بعد الاعتراف وما قبل الاعتراف ؟ والاجابة هي لا شيئ علي الاطلاق… . واذا كان قرار اسرائيل بضم الضفة الغربية اليها هو قرار استراتيجي نهائي يعجز المجتمع الدولي بكل اجهزته ومؤسساته وبكل القوي الدولية الكبري الفاعلة فيه عن وقفه، فهل كان سيؤخره او يمنعه اعتراف الامارات او غيرها باسرائيل ؟ والاجابة لا وبالتاكيد.. هذا ليس دفاعا عن قرار الامارات او غيرها فهذا شانهم وحدهم وليس شاني كمحلل سياسي يحاول. ان يري الحقائق الماثلة علي الارض من منظور قومي شامل ، ولكنه للتاكيد علي اننا كنا وسوف نبقي في حالة من انعدام القدرة العربية علي الفعل والتاثير ، ومن العجز المشين عن التصدي والمقاومة ، فالعرب لا يجيدون غير لغة الكلام وترديد الشعارات رغم فظاعة التحديات والتهديدات والاخطار التي تسحق بلدانهم وتدمر حياة شعوبهم ، وهم يرفضون دون ان يطرحوا الحلول الواقعية البديلة لما يرفضونه حتي نعرف الي اين يمكن ان نتحرك ونمضي نحو المستقبل بخطي واثقة وباستعداد افضل واكبر ، ولا اشك في انه لو كان العرب يعملون ويتحركون ويجتهدون في تغيير واقعهم بتضامنهم وتوحيد مواقفهم وبتوظيفهم لكل عناصر قوتهم الشاملة وهي كثيرة، لما كان هذا هو حالهم ولتجنبوا الكثير مما حل بهم من نكبات ……القضية الحقيقية ليست قضية دولة صغيرة اسمها الامارات، التي يدور كل هذا الجدل حولها الآن ، ولكنها قضية امة مازومة وعاجزة ومنقسمة بشدة علي نفسها ولا تعرف يومها من غدها ولا حاضرها من مستقبلها اسمها الامة العربية……..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »