رأي عام بقلم الأستاذ/ إدريس حمودة بشير ”كيف يري التشادين بلادهم؟

 

 

إدريس حمودة بشير

نجد أن هناك في كل عام تصنيف لدول العالم ، يحدد معايير الصحة ، والتعليم ، والمعيشة كمؤشرات رئيسية للتنمية والاستقرار.

ويوضّح مؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة للمواطنين في العالم – والناشطين – مدى درجة الجودة أو سوء الأداء في دول العالم ، لأي بلد .

لا يكاد يصدق ذلك الفارق الكبير بين الأرقام التي يطرحها البنك الدولي ومنظمات الأمم المتحدة ذات الاختصاص عن الفقر والحاجة التي تعيشها تشاد، وبين ما تروجه تقارير اقتصادية دولية عن تجارة تشاد المزدهرة في النفط والغاز والقطن والسكر والصمغ العربي والمواشي والاحتياطي الكبير من اليورانيوم والزنك، فضلا عن الذهب الذي لم يستثمر بعد.
القاسم المشترك الوحيد في شبكة المعطيات المتناقضة تلك هو المصدر الذي هو في كلتا الحالتين الغرب، مما يجعل للقضية بعدا قصديا وطابعا غير بريء، وكأن هناك من يتعمد الإيحاء بأن هذه البلاد غير مؤهلة للتمتع بثرواتها ولا هي أمينة على مصائر أبنائها.

وهذا الأمر يطرح إشارات استفهام خطيرة عن مدى جدية القيم التي يطرحها الغرب، خاصة أن الملف التشادي تتورط فيه دول كانت دائما تتشدق بدفاعها عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، بل وجعلتهما رسالتها الكونية وجوهر وجودها.

قد يبدو هذا الأمر طبيعيا في سياق سياسي مضطرب لم تعرف فيه البلاد استقرارا سياسيا يتيح لها فرصة لتحقيق تراكم تنموي، سواء على صعيد تنمية الثروات، أو على صعيد تحسين الوضع المعيشي للسكان

لقد استولى ادريس ديبي على مقاليد السلطة في تشاد منذ العام 1990 ، بعد الإطاحة بمعلمه حسين حبري في حرب دامية .

إن تشاد دولة حبيسة ، مستعمرة فرنسية سابقة ، ، تفصل الصحراء في الشمال عن السافانا في الجنوب – وقد احتلت المرتبة المتأخرة لمؤشرات التنمية باستمرار، في درجة تتراوح بين 160 ، و 187 ، من 189 في ذيل قائمة الدول.

وكان بإمكان تشاد أن تكون دولة مستقرة وغنية، بسبب مواردها ، نجد بها أغنى الموارد الطبيعية في العالم ، بما في ذلك اليورانيوم ، والذهب ، وتضخ البلاد حوالي 130 ألف برميل من النفط الخام يوميًا ، مما يدر عائدات سنوية بمليارات الدولارات إلا أن القليل جدًا من هذه الخيرات تتدفَّق على السكان الذين ما زالوا يعيشون تحت فقر مدقع .

وقد أدرج في اكتوبر تصنيف برنامج مؤشر الجوع العالمي (GHI) تشاد على أنها تعاني من مستويات خطيرة ” تدعو للقلق”.

وإن هذا المستوى من الفقر ، وسوء حكم ديبي للبلاد ، البالغ من العمر 68 عامًا لم يكن من قبيل الصدفة إنه جزء من نمط ساهم في تدمير القارة.

وقد تم تحويل أموال النفط في البلاد إلى أشياء غير ضرورية ، ولم تخرج الشعب التشادي من الفقر.

صحيح أن النظام المستبد في افريقيا يستطيع تنظيم الانتخابات متعددة الأحزاب ، ولكن لم ينتج عن هذه الانتخابات أي إصلاح أو تغيير في السلطة.

إن النظام الحاكم يحكم البلاد من قبضة من حديد ويتحكم في أصول النفط وعائداته بسلطة كاملة، و إنه في الواقع نظر الي الرئيس الحالي “رئيس مدى الحياة” ، ولا يتسامح مع أي اعتراض من الجمهور أو الاحزاب المعارضة أو جماعات المجتمع المدني في مخالفته أو ما يتعلق بتداول السلطة.

و في الواقع ، نجد خلال فترة حكمه التي استمرت 30 عامًا ، أن المؤسسات الحكومية ، و المحاكم ، ووسائل الإعلام ، والمجتمع المدني تم تدميرها بطرق تقليدية للحفاظ على السلطة.
وفي الإطار ذاته، وجه ديبي صفعة سياسية لفرنسا سببت لها حرجا دبلوماسيا، تمثلت بالكشف عن ملابسات قيام مؤسسة “آرش دو زوي” الفرنسية بجمع 103 أطفال تشاديين بدعوى أنهم من أيتام دارفور. عام 2008م من مدينة ابشة التي تقع شرق تشاد

وهدد ديبي بالحساب العسير للمتورطين أيا كانت جنسيتهم، ليتحول الأمر برمته إلى قضية رأي عام استغلها النظام التشادي للضغط على فرنسا التي اضطرت لمساعدته في صد هجوم المعارضة على شرقي البلاد.

نجد ان الدستور التشادي خصص 80 % من أموال النفط في البلاد من اجل خدمة الزراعة ، والصحة ، والتعليم، والبنية التحتية إلا أنها سخرت لأشياء أخرى لم تنقذ الشعب التشادي من الفقر .

إن حكومة ديبي لم تهدر في صرف مئات الملايين من دولارات النفط فحسب ، بل تركت التشاديين مع ديون مثقلة ، ومؤسسات محطمة ، واسرفت أيضًا في الإنفاق و الاقتراض لإعداد قواته الأمنية بأحدث الأسلحة المستخدمة ضد المواطنين ، والمعارضين ، والناشطين الذين يطالبون بالإصلاح وتطبيق القانون.

إن النتائج يصعب تصدقها في بلد يبلغ تعداد سكانه 15 مليون نسمة ، ويوجد حوالي 100 مستشفى وبضع مئات من الأطباء المؤهلين .
8 جامعات حكومية وبعض المعاهد في مجال التعليم العالي
ووفقًا للأمم المتحدة ، لا يعيش من الأطفال (8%) عامهم الأول ، و (20٪) لا يعيشون للاحتفال بعيد ميلادهم الخامس .

وهناك ( 75%) من السكان لا يستطيعون القراءة أو الكتابة ، و (80٪) يعيشون في فقر دامق بأقل من دولار واحد دخل لكل الفرد منهم في اليوم ، و (90٪) عاطلون عن العمل ، والمواطن العادي يعيش متوسط العمر حتى سن ( 53 عام ).

و في عام 2019 ، وضعتها منظمة الشفافية الدولية رقم 162 (من 180) في قائمتها السنوية لأكثر الدول فسادًا في العالم.

إضافة لذلك ، فإن بحيرة تشاد – مصدر الحياة الرئيسية في منطقة الساحل – بدأت تتقلص في ظل أزمة المناخ ، مما يعرض السكان الذين يعانون أساساً من الفقر لخطر المجاعة .

النظام الحالي غارق في الفساد حتى أذنيه، وبفضله باتت تشاد تتصدر قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم طبقا لما ورد في تقرير منظمة الشفافية ، وهذا الفساد ناجم عن الاختلاس المنظم الذي يمارسه النظام وأركانه.

تعد تشاد في وضعها الحالي في مقدمة الدول الفاشلة، إذ صنفتها الأمم المتحدة في المرتبة 171 عالميا على قائمة التنمية البشرية التي تشتمل 177 دولة.

وبحسب مؤشرات صندوق السلام (Fund for peace) فإن سمات مثل: عدم قدرة الحكومة المركزية على فرض سلطتها على ترابها الوطني، وتأمين حدودها أو احتكار هذه المهمة، وعدم تمتعها بالشرعية اللازمة للحكم، وتفشي الفساد وانعدام تداول السلطة، وغياب أو ضعف النظم القانونية فيها، وتهديد وحدتها واستقرارها بالانقسامات العرقية والدينية الحادة، تضع تشاد في التصنيف الأول عالميا (كانت هذه الأسباب وراء غزو الصومال).

 

إن حال البلاد المجاورة لدول تعيش أزمات مع بوكوحرام في نيجيريا في الشرق وداعش في الشمال جعل الأمر أكثر عرضةً للقلق ، فالداعم الرئيسي لديبي هو فرنسا ، مما يطرح أسئلة قوية : متى تنهي فرنسا استعمارها وتتوقف عن دعم القادة الدكتاتوريين مثل ديبي ؟ ودعمها لكثير للأنظمة الدكتاتورية في افريقيا.

فالشعوب تعاني ، وبلادهم تمضي نحو الأسوأ اقتصاديًا وسياسيًا؟

وفي الواقع نجد أن في العام 2017 ، ذكر ديبي لصحيفة لوموند أنه وافق إجباراً على البقاء في السلطة تحت الضغط الفرنسي.

وفي العام التالي ، راجع البرلمان التشادي الدستور للسماح له بالاحتفاظ بمنصبه حتى عام 2033 ، وعندها سيبلغ 81 عامًا.

ولم يكن مفاجئًا أن في هذا العام ، وضع لنفسه خطوة جديدة إلى الأمام لترسيخ استبداده والسيطرة الكاملة ، وفي الوقت نفسه قام بتبديد احلام التغيير .

واحتفالاً بالذكرى الستين لاستقلال تشاد ، نصب ديبي نفسه في 11 أغسطس 2020 “مشيراً في تشاد” ، وقد كان يرتدي ملابس مشابهة لزي موبوتو سيسيسيكو ، دكتاتور سابق نصب نفسه “مشيرا لزائير” الكانغو حالياً، إنها محاولة يائسة لتأصيل فكرة ( أنه يسعى لاستقرار تشاد وأمنها في القتال ضد الجهاديين من بوكو حرام في منطقة الساحل) ، مما يؤكد صعوبة التداول السلمي للسلطة في تشاد .
الإجابة تبدو في موقع تشاد الجيوسياسي إذ تعتبر منطقة هامة لوقوعها في مفترق الطرق في قلب أفريقيا، كما أنها تعتبر الحد الذي يفصل شمال أفريقيا العربي المسلم عن جنوبها المسيحي والوثني، حيث تنشط الإرساليات التبشيرية، بتنافس واضح مع الدعاة المسلمين، كما يتخوف الغرب من تمدد الإسلاميين السمر إلى القارة عبر المنفذ التشادي.

السبب الآخر اقتصادي، حيث تبدو تشاد مقبلة على مرحلة جديدة من الحياة الاقتصادية، وربما كانت تصبح في عام 2009 ثالث أهم منطقة اقتصادية في أفريقيا، باحتياطها النفطي الذي يتجاوز مليار دولار، حسب الدوائر الاقتصادية الأميركية التي خططت لاستثمار ستين مليار دولار في خمسة أعوام، وذلك في ظل تنافس صيني أميركي فرنسي للحصول على امتيازات النفط الأفريقي، خصوصا بعدما أظهرت عمليات المسح الجيولوجي أن الحوض الممتد من ليبيا مرورا بتشاد والكونغو سيؤمن ربع احتياجات الولايات المتحدة من الطاقة عام 2015.

سبب آخر يتصل بالوجود الفرنسي في أفريقيا حيث تعتبر تشاد آخر بلد فرانكفوني في شرق أفريقيا، إذ تملك باريس في إنجمينا قاعدة إستراتيجية تسمح لها بإرسال طائراتها في مهمات عسكرية أو إنسانية في المنطقة.

ولا تمتلك فرنسا أي قاعدة عسكرية جوية ثانية سوى في جيبوتي، حيث تتمركز قوة عسكرية مؤلفة من ثلاثمائة رجل وعشر طائرات مقاتلة وتسع مروحيات، تضاف إلى قاعدتي ليبريفيل في الغابون ودكار في السنغال اللتين تمثلان أساس الوجود العسكري في القارة الأفريقية.

سبب رابع ذو صلة بالتنافس الدولي على تشاد، وخاصة بين الصين والغرب، إذ لا شك أن ديبي استطاع الاستفادة من ورقة عودة العلاقات الدبلوماسية بين بلاده والصين في أغسطس 2006، واستخدمها في إطار تحسين موقعه التفاوضي مع الغرب

وعلي وجهة نظري ، فإن ديبي الذي يسيطر بشكل كامل على الحكومة ، هو في الواقع أكبر مهدد لدولة تشاد في الاستقرار ، والتداول السلمي الديمقراطي ، والتنمية، إنه يتصرف بالطريقة التي يريدها ، لأنه لا يحتاج إلى موافقة من شعبه ، لانه وصل السلطة بلإ نقلاب العسكري، ويدرك تمامآ أنه يجد الحماية الدولية، وخاصة من قبل فرنسا، وفي الوقت الذي يموت شعبه جوعاً. من نقص في دخل المعيشة اليومة،

المرجع والمصادر
تقرير، اليونسكو للعلوم ص 484
الامم المتحدة الجمعية العامة الدوره السادسة والخمسون البند 120من القائمة الاولية
الأمم المتحدة A/HRC/25/14
الجمعية العامة Distr.: General
3 January 2014
Arabic
Original: English/French
مجلس حقوق الإنسان
الدورة الخامسة والعشرون
البند 6 من جدول الأعمال
الاستعراض الدوري الشامل
تقرير الفريق العامل المعني بالاستعراض الدوري الشامل*
تشاد
تقرير، في وسط افريقيا 2017_2018م من منظمة الشفافية الدولية
تقرير الوفاق التشادي لحقوق الانسان 2020-2019م
منظمة تشاد صفر فساد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »