مظاهر الاحتفال بعيد الفطر المبارك في النوبة

للعيد – في مختلف المجتمعات التقليدية – استعدادت خاصة تخضع لترتيبات اجتماعية منظمة، وقد شاءت الأقدار أن أذهب مع أحد الأصدقاء إلى بلاد النوبة في الأيام الأخيرة من هذا الشهر المبارك، وذلك لحضور مراسم الاحتفال بأيام عيد الفطر المبارك، حيث أخبرني صديقي الجنوبي هذا أن الاحتفال بالعيد هناك يختلف عن الاحتفال به في أي مكان آخر.

استقبال العيد:
تبدأ مرحلة الاستعداد لاستقبال أول أيام عيد الفطر المبارك في النوبة – كما يقول “هشام عوض” من أبناء تلك الثقافة – بتجديد كل شيء من ملبس ومسكن، حيث يقوم الشباب، وخاصًة من يتمتعون بفن الرسم والتخطيط، بطلاء جدران البيوت والمضيفة – وهو عبارة مكان فسيح، يتسع عدد كبير من أبناء القرية في مختلف المناسبات الاجتماعية، الحزينة منها والسعيدة – من الداخل والخارج بألوان جذابة مستواحاه من طبيعة البيئة المحيطة (كاللون الأحمر المستمد من الجبال، والأزرق المستمد من النيل، والأخضر من النخيل، والأصفر من الرمال)، إلا أن لكل منها دلالات رمزية خاصة، ثم الرسم عليها بأشكال هندسية منظمة تتلائم وتتفق مع بعض الأرقام الآحادية التي تحمل بعدين أساسيين: أحدهما فني تشكيلي ذو طابع جمالي، والآخر اعتقادي فلسفي ذو طابع سحري (كالمثلثات التي ترمز إلى الرقم ثلاثة، والدوائر المجوفة أو الخالية من الزوايا التي ترمز إلى الرقم خمسة، والنجوم الخماسية التي ترمز إلى الروح والعناصر الكونية الأربعة “الماء، والنار، التراب، والهواء”)، ويتولى آخرون مهمة أخرى تتمثل في تنظيف شوارع القرية بأكملها من المخلفات والقمامة إن وجدت، أما السيدات فيقمن بتجهيز ما لذ وطاب من المخبوزات والأطعمة، وخاصًة المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بهذه

المناسبة السعيدة (كالبسكويت، والكعك، والشعرية) وغيرها من الحلويات، بحيث تقدم مثل هذه الأنواع من الأطعمة للضيوف أثناء الزيارة خلال أيام العيد.

ملابس العيد:
وبجانب كل هذا وذاك، يستعد الشباب من الذكور والإناث بشراء الأقمشة الجديدة لتفصيل أبرز الأزياء التقليدية السائدة في منطقة النوبة (كالجلاليب البيضاء التي يرتديها الرجال والشباب، الجرجار الأسمر الذى ترتديه الفتيات والنساء)، أما الأطفال الصغار فيتم شراء معظم ملابسهم جاهزة.
أول أيام العيد:

وفي الليلة الأخيرة من شهر رمضان، وبعد أداء صلاة العشاء والتراويح، تزداد جلسات الونسة والسمر بين الجميع من أبناء النوبة – رجالًا ونساء – لحين موعد آذان الفجر، وبمجرد سماع الآذان، يذهب الجميع من الرجال والشباب إلى الساحات الخالية التي توجد في نهاية معظم القرى النوبية لأداء تلك الفريضة، وبعدها تبدأ شعائر صلاة العيد، وبعد الأنتهاء من شعائر تلك الصلاة، يبدأ الجميع في تهنئة بعضهم بعضا بتلك العبارة (كوريج أنجا ناليه) بمعنى عيد سعيد عليكم، ليكون الرد عليها (إيكون آنجا ناليه) بمعنى عيد سعيد عليك وأنت طيب وبخير)، وتظل عملية التهنئة بالعيد متداولة على الألسنة بين الجميع، رجالًا ونساء، شبابًا وأطفال، ثم يتجه الجميع على هيئة مجموعات لتهنئة الأهل والأقارب والأصدقاء بيت بيت، اعتبارًا من البيت الأول بعد هذه الساحة حتى آخر بيت في القرية، وكأنهم أسرة واحدة والجميع أبنائها.
أطعمة العيد:

وأثناء الزيارة، يقدم أهل البيت ما يعرف بـ (واجب الضيافة) والذى يتمثل في ما تم تجهيزه من مخبوزات (كالبسكويت، والكعك) مع الشاي بالحليب الذى يعد عادة أساسية

من عادات النوبيين في النهار، كما تقدم بجانب كل هذا وذاك أطباق (الفشار، والفول السوداني، والبلح) وغيرها من الحلويات، ثم تنتقل كل مجموعة بعد التهنئة من بيت إلى آخر، حتى تصل إلى نهاية القرية التي يقيمون فيها، وبعدها يذهب كل منهم إلى بيته لاستقبال الضيوف، ويقدم لهم ما قدم له واجب الضيافة.

وعندما يأتي موعد الفطار الجماعي، تقدم الموائد وعليها ما لذ وطاب من الأطعمة الشعبية ذات الطابع النوبي المميز، ومن أبرز هذه الأطعمة (الشعرية باللبن، والمديدة، والعصيدة) وغيرها من المأكولات الأخرى.

جلسات السمر:
وفي المساء، تقام جلسات الونسة وحلقات السمر المصاحبة للأغاني والرقصات التقليدية النوبية باستخدام بعض الأدوات الموسيقية (كالطنابير الوترية والدفوف الإيقاعية)، وذلك تعبيرًا عن مشاعر الفرح والسرور التي تسود قلوب العامة في مثل هذه الأيام المباركة، وتقدم في هذه الجلسات أطباق الحلويات ومشروب الجبنة المفضل، وتظل هذه المراسم الاحتفالية هكذا طوال أيام العيد.
ثالث أيام العيد:

وفي اليوم الثالث والأخير من أيام عيد الفطر المبارك، يتوجه الجميع لزيارة المقابر، وهناك تقرأ الفاتحة وبعض الآيات القرآنية والتسابيح على أرواح الموتى، وقبل الإنصراف يتم توزيع الصدقات، ورش القليل من الماء على القبور، ووضع بعض الحبوب (كبذور القمح والأرز والذرة) للطيور، بالاضافة إلى وضع جريد النخيل الأخضر، وبعدها يتوجه الرجال إلى المضيفة أو الخيمة الموجوده بكل قرية من قرى النوبة.