
في لحظات المصير لا تُقاس الأوطان بمقدار ما نختلف فيه بل بمقدار ما يمكن أن نتحد لأجله وإذا كانت قضية سد النهضة قد أصبحت مسألة وجودية لا تمس فقط الأمن القومي بل الحياة نفسها فإن الوقت قد حان بل تأخر لندرك أن الخلاف السياسي المشروع لا يجب أن يتحول إلى خصومة مع الوطن.
عندما صرّح الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن “كل الخيارات مفتوحة” في التعامل مع أزمة سد النهضة فإن الرسالة كانت واضحة لا يمكن القبول بتعطيش مصر أو التعدي على حقوقها التاريخية في نهر النيل أيا كانت الاعتبارات الدولية أو الإقليمية.
ولأول مرة منذ سنوات شعر كثيرون سواء مؤيدين أو معارضين بأن الدولة بدأت تُظهر صرامة طالما طالب بها الرأي العام.
لكن المفارقة المؤلمة أن هذا التصريح لم يُقابل بتأييد وطني واسع النطاق بل انهالت عليه الاتهامات من بعض أطراف المعارضة في الخارج تحديدا من جماعة الإخوان.
ومن يدور في فلكهم استدعوا “اتفاق المبادئ” الذي وقّع في 2015 وكأن الماضي ذريعة دائمة للطعن في أي خطوة حالية بغض النظر عن الظروف أو المعطيات المتغيرة.
لسنا هنا في مقام تبرئة أو إدانة نعم وقع النظام أخطاء بعضها جسيم في هذا الملف وغيره والانتقاد واجب بل هو علامة صحية في أي وطن حي لكن ما لا يُغتفر هو حين يتحول الخلاف مع السلطة إلى شبهة تواطؤ مع خصوم الوطن.
من يتحدث اليوم بلغة إثيوبيا ومن يشكك في حق مصر في الدفاع عن أمنها المائي لا يمارس معارضة… بل يغرس خنجرا في خاصرة البلاد..
المعارضة الوطنية لا تعني أن تهاجم كل تصريح ولا أن تتمنى فشل الدولة في إدارة الملفات الخطيرة بل أن تقف مع مصر لا مع النظام أو ضده حين تكون المعركة معركة حياة أو موت..
نعم نختلف على السياسة على الحريات على الاقتصاد على العدالة الاجتماعية… وهذا من حق كل مصري لكن حين يأتي الخطر من خارج الحدود فإن الاصطفاف خلف الدولة لا خلف الحكومة هو ما يميز الأوطان الحيّة عن الدول الفاشلة.
مصر الآن تحتاج إلى عقل بارد وضمير حي… تحتاج إلى معارضة وطنية لا تُعادي لمجرد العداء ولا تؤيد لمجرد الخوف تحتاج إلى أبناء يعرفون أن اللحظة تستدعي الوحدة لا المزايدة.
ختاما… إن كانت مياه النيل هي شريان الحياة لمصر فالاتحاد في الأزمات هو شريان نجاتها