القضاء على “النازية” فى أوكرانيا .. الرواية الرئيسية التى يروج لها الكرملين الآن   

 

إن القضاء على “النازية” فى أوكرانيا هى الرواية الرئيسية التى يروج لها الكرملين الآن، حيث تدعو روسيا حكومة أوكرانيا بالنازيين، حتى الأطفال الأوكران يُطلق عليهم هذا اللقب فى روسيا.

وتصف قنوات التلفزيون الروسية الفيدرالية جميع الأوكران الذين عارضوا الاحتلال والغزو الروسى بالنازيين.

تستخدم الدعاية الروسية هذا الوصف الراديكالى من أجل خلق واقع بديل، وتحويل تركيز الجماهير عن الحقائق وتحديداً عن حقيقة أن تأثير الأحزاب اليمينية فى أوكرانيا يكاد لا يُذكر وأن عدد الأصوات التى تحصل عليها هذه الأحزاب فى الانتخابات لا تصل إلى 3% أى أنها لا تصل إلى البرلمان.

وذلك على العكس من  روسيا حيث توجد حالياً شخصيات نافذة فى السلطة يؤيدون علناً وجهات النظر القومية المتطرفة.

على سبيل المثال ألقى نائب رئيس الوزراء السابق ورئيس مؤسسة “روسكوزموس” الحكومية للأنشطة الفضائية، دميترى روجوزين، تحية نازية فى المسيرة الروسية تحت شعار “هذه هى مدينتنا! موسكو مدينة روسية”.

وصف روسيا دولاً أخرى “بالنازية” يساعدها على إخفاء سياساتها المتطرفة على الصعيد الدولى، وأن تشوش على حقيقة أن بوتين هو رمز أحزاب وحركات اليمين المتطرف فى الغرب.

فى هذا السياق تبدو اتهامات روسيا تجاه أوكرانيا بالنازية مثيرة للسخرية، خصوصًا إذا أخذنا بعين الاعتبار سياسات أوكرانيا المتسامحة تجاه الأجانب والأقليات.

أوكرانيا مثلاً ترحب بالطلاب الأجانب وتمنحهم فرص الدراسة والعمل والجنسية الأوكرانية منذ زمن بعيد، أما أقليات أوكرانيا الأصلية فإن تتار القرم هم أحد نماذجها.

إنهم شعب من أصول تركية يسكن تاريخيا فى الجنوب وفى شبه جزيرة القرم وعنده مؤسسة تمثيلية خاصة به اسمها مجلس تتار القرم.

معظم تتار القرم مسلمون سنيون، فى عام 2014، بعد أن احتلت روسيا القرم، نقل تتار القرم مجلسهم إلى كييف لأن روسيا حظرته والكثير منهم هاجروا من القرم إلى أوكرانيا القارية.

ومن هنا يأتى السؤال: لو كانت أوكرانيا دولة متطرفة فلماذا انتقلت أقليات (من عرق ودين مختلفين ولغة مختلفة) إلى كييف وهربت من ما يُسمى “التحرير” الروسى؟

يذكر هنا أيضًا، أن التتار الذين ما تمكنوا من مغادرة الأراضى المحتلة مؤقتًا يتعرضون اليوم للاضطهاد من قبل روسيا تحت اتهامات باطلة بالتطرف والتورط فى الأحزاب الإرهابية.

كما أكد المفتى الأوكرانى، الشيخ سعيد إسماعيلوف، وهو رئيس إدارة “الأمة” الروحية لمسلمى أوكرانيا، بأحد تصريحاته أن المسلمين الأوكران جزء لا يتجزأ من المجتمع الأوكرانى، وكلهم يبذلون قصارى جهودهم من أجل النصر المشترك وتحرير كل مناطق أوكرانيا، بما فى ذلك تحرير الأراضى المحتلة مؤقتاً فى شبه جزيرة القرم ومنطقة دونباس.

قام إسماعيلوف، بتغيير لباسه الدينى إلى زى عسكرى وأصبح إماماً فى الجيش الأوكرانى ومسؤولاً عن الاحتياجات الدينية للجنود الأوكران المسلمين الذين يدافعون عن أوكرانيا على جبهاتهم المختلفة كعسكريين وجنود فى القوات المسلحة وحرس الحدود والحرس الوطنى وكتائب وحدات الدفاع المحلى وأطباء ومسعفين وسياسيين وصحفيين ومتطوعين ونشطاء إنسانيين.

والآن فى شهر رمضان يجتمعون فى مسجد المركز الثقافى الإسلامى من أجل الصلاة والإفطار بعد أداء واجباتهم.

للأسف، المسلمون فى المدن الأوكرانية الأخرى المحتلة قد يكونون محرومين من تلك الممارسات الروحانية بسبب طريقة تعامل الجيش الروسى مع المعابد فى أوكرانيا وحالة المساجد بالتحديد.

فى مدن “كوستيانتينيفكا” و”ماريوبول” و”سيفيرودونيتسك” تعرضت المساجد للقصف من قبل الجيش الروسى وليست هناك معلومات دقيقة عما حدث بمساجد مدينة خاركيف وفى محافظة لوهانيسك فى مناطقها المحتلة مؤقتاً.

من المعروف فقط أن ممثلى الإدارة الروسية جمعوا أئمة المساجد الأوكرانية فى تلك المناطق واختطفوهم لمدة يومين ثم أوصلوهم إلى المسجد الرئيسى والأئمة مقيدون وأجبروهم على وقف التعاون مع إدارة الروحية الأوكرانية والاعتراف بالتبعية للإدارة الروحية الروسية.

إن هذا العنف جزء صغير من مخطط روسيا فيما يتعلق بأوكرانيا والأوكران، وفى يوم 3 من أبريل نشر تيموفى سيرغيتسيف، الناشط السياسى وأحد أهم صانعى أيديولوجيا روسيا المعاصرة، فى وسيلة الإعلام الرئيسى المركزى “ريا نوفوستى” (RIA Novosti) مقالته التى يقترح فيها برنامج فصل الأوكران عن الهوية الأوكرانية (de-ukrainization) والهوية الأوروبية (de-europeanization) ومن المتوقع أن يتواصل هذا البرنامج طوال العقود التالية.

يصف تيموفى سيرغيتسيف برنامجه بالتفصيل ويذكر علناً مشروعات إجراء عمليات “تأديبية” عقابية واستئصال الأعمال الأوكرانية التاريخية والتراث الأوكرانى التاريخى الحضارى من أجل محو ذاكرة الشعب.

يذكر، أن أوكرانيا دولة مستقلة ذات سيادة وتم الاعتراف بها من كل دول العالم بما فى ذلك روسيا بموجب القوانين الدولية.

لدى أوكرانيا تاريخ يمتد آلاف السنين من بناء وتطوير الدولة، ومدينة كييف تم تأسيسها عام عام 482 م وأصبحت كييف عاصمة فى القرن التاسع عندما كانت مدينة موسكو غير موجودة حيث أُسست عام 1147م فقط.

تستطيع روسيا أن تصنع مصطلحات كثيرة من أجل تبرير أعمالها فى أوكرانيا مثل “إزالة النازية” و”إزالة الهوية الأوكرانية” و”إزالة الهوية الأوروبية” ولكن هذه المصطلحات لن تخفى طموحات روسيا الحقيقية وهى الاستيلاء على دولة مستقلة وعلى أراضيها وتربتها الخصبة والموارد المعدنية والطبيعية والموارد البشرية بمعنى القوة العاملة الإضافية والمهنيين ذوى المهارات العالية وهذا ليس سوى خالص الإمبريالية والاستعمار والسياسة التوسعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »