الأمم المتحدة: العالم ينفق 423 بليون دولار سنويًا لدعم استهلاك الوقود الأحفورى من نفط وكهرباء يتم توليدها عن طريق حرق أنواع أخرى

 

أشارت دراسة جديدة أصدرها برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، اليوم الأربعاء، أن العالم ينفق مبلغاً مذهلاً يقدر بحوالى 423 بليون دولار أمريكى سنويًا على دعم استهلاك أنواع الوقود الأحفورى من نفط وكهرباء يتم توليدها عن طريق حرق أنواع أخرى من الوقود الأحفورى مثل الغاز والفحم.

ويساوى ذلك المبلغ أربعة أضعاف المبلغ المطلوب لمساعدة البلدان الفقيرة على مواجهة أزمة المناخ، وهو الأمر الذى يمثل إحدى النقاط الشائكة قبل المؤتمر العالمى حول المناخ COP 26 الذى يبدأ الأسبوع المقبل.

هذا المبلغ الذى ينفق بشكل مباشر على دعم الوقود الأحفورى، يمكن الاستفادة منه لتوفير لقاحات كوفيد-19 لكل شخص فى العالم أو لتغطية التكلفة السنوية المقدرة للقضاء على الفقر المدقع فى العالم كله ثلاث مرات.

وإذا ما أخذنا فى الحسبان التكاليف غير المباشرة لهذا الدعم، بما فى ذلك الآثار السلبية على البيئة، يناهز المبلغ الإجمالى 6 تريليون دولار أمريكى، وفقًا للبيانات التى نشرها مؤخرًا صندوق النقد الدولى.

يسلط تحليل برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، الضوء على أن هذه الأموال، التى يتحملها دافعو الضرائب، تؤدى فى نهاية المطاف إلى تعميق أوجه عدم المساواة وإعاقة العمل المطلوب لمواجهة تغير المناخ.

وقال أخيم شتاينر، مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائى: كشفت جائحة كوفيد19 عن جوانب فى الاقتصاد العالمى يجب أن يتجاوزها الزمن مثل استمرار دول العالم فى إنفاق مليارات الدولارات على دعم الوقود الأحفورى، فى الوقت ذاته الذى يعيش فيه مئات الملايين من الناس فى فقر وتتسارع أزمة المناخ، وفى هذا الصدد علينا أن نسأل أنفسنا: هل يمثل دعم الوقود الأحفورى إنفاقا رشيدا للمال العام؟

الدراسة التى يتم نشرها قبل اجتماعات مجموعة العشرين (G20) ومؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ COP26 القادمين، تأتى فى سياق إقرار العديد من الاقتصاديين وصانعى السياسات وكذلك صندوق النقد الدولى، والبنك الدولى، بضرورة إصلاح دعم الوقود الأحفورى، وهو ما دعا إليه كذلك وبقوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

لتسليط الضوء على الآثار السلبية الهائلة لدعم الوقود الأحفورى على البشر والكوكب، أنتج برنامج الأمم المتحدة الإنمائى كجزء من حملة جديدة فيلمًا قصيرًا جذابًا يصور أحد أشهر الحيوانات المنقرضة فى العالم، الديناصور، وهو يلقى خطابًا أمام الجمعية العامة الأمم المتحدة يحث فيه قادة العالم على التحول عن دعم الوقود الأحفورى وأن “لا يختاروا الانقراض.”

تهدف حملة “لا تختاروا الانقراض” بأصوات مجموعة من المشاهير من جميع أنحاء العالم، إلى زيادة الوعى العام بما يسببه دعم الوقود الأحفورى من عرقلة لما تم إحرازه حتى الآن من تقدم كبير فى السعى للحد من تغير المناخ ومن زيادة فى أوجه عدم المساواة من خلال إفادته الأغنياء.

وقامت الفنانة المصرية وسفيرة النوايا الحسنة لمنظمة اليونيسف، دنيا سمير غانم، بتأدية الصوت العربى الوحيد للحملة العالمية، مؤكدةً، على الدور الإيجابى والتوعوى الذى يقدمه الفن لدعم جهود التنمية.

وتظهر تحليلات برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، أن إصلاحات دعم الوقود الأحفورى يمكن أن تكون أيضًا غير عادلة وضارة للأسر والمجتمع إذا لم يتم تصميمها بشكل صحيح.

على الرغم من أن دعم الوقود الأحفورى هو أداة تعزز اللامساواة – إذ يستأثر الأغنياء بنصيب الأسد من فوائدها- إلا أن هذا الدعم يمثل أيضًا جزءًا مهمًا من دخل الفقراء سيضطرون لإنفاق ما يقابله على استهلاك الطاقة.

وبالتالى، يمكن أن يتحول إلغاء دعم الوقود الأحفورى بسهولة إلى إستراتيجية تؤدى إلى فقر الدخل وفقر الطاقة، وهو ما قد يساهم فى جعل إصلاح الوقود الأحفورى أمرا صعبًا، ويفرض عائقًا رئيسيًا أمام الانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة.

ومن هذا المنطلق، تدعو دراسة برنامج الأمم المتحدة الإنمائى إلى تطوير سياسات الإصلاح بنهج تقدمية وتدريجية، وتتضمن الدراسة تحليلات لقصص نجاح تم جمعها من عدة بلدان فى مناطق مختلفة عبر العالم، فضلاً عن ذلك توفر الدراسة “حزمة أدوات” لصانعى السياسات لتعزيز الإصلاح فيما يخص دعم الوقود الأحفورى وتسعير الطاقة.

تتيح حزمة الأدوات اتباع نهج مرحلى يتسم بالعدالة والإنصاف، ويتضمن حماية الدخل وإجراءات تعويضية للفئات الأكثر تضرراً جراء رفع الدعم.

وفى مصر، ذكر تقرير التنمية البشرية 2021 أن الحكومة المصرية شرعت فى تنفيذ برنامج جرىء لإصلاح دعم الطاقة، يهدف إلى إلغاء دعم الطاقة تدريجيًا خلال خمس سنوات.

نُفِّذت المرحلة الأولى من البرنامج عام 2014، تلتها المرحلة الثانية عام 2017 والثالثة عام 2018.

وفى إطار خطة التنمية لعام 2019 / 2020، وافق مجلس النواب المصرى على خفض دعم الوقود من 90 بليون جنيه إلى 53 بليون جنيه، وكذلك خفض دعم الكهرباء من 16 بليون جنيه إلى 4 بلايين جنيه.

أدَّى برنامج إصلاح الدعم إلى خفض دعم الوقود من نحو 56.8 % من جملة الإنفاق الحكومى على الدعم عام 2016 / 2017 إلى 30.8 % عام 2020.

وذكر التقرير أيضاً، وجود تحوّل من دعم الطاقة، وعلى رأسها البترول والكهرباء، إلى دعم برامج الحماية الاجتماعية الموجهة إلى الفئات الأولى بالرعاية، لزيادة العدالة التوزيعية ومكافحة الفقر.

وقال أخيم شتاينر: عندما نفكر فى سبل تمويل جهود مواجهة تغير المناخ، نرى أن استمرار دعم الوقود الأحفورى يعنى أن رصيد التمويل يبدأ فعليًا من نقطة عجز قيمته سالب 423 مليار دولار أمريكى.

وأضاف، الإصلاح ليس سهلاً والانتقال إلى الطاقة النظيفة يطرح مجموعة من التحديات الصعبة فى العديد من البلدان، وفى الواقع، يتعين على كل بلد أن يسلك مسلكه الخاص الذى يناسب ظروفه.

لكننا نعلم فى الوقت ذاته أنه يجب علينا الابتعاد عن مصادر الطاقة التى تسهم فى تدهور كوكبنا، وأن إنهاء الدعم المالى لتلك المصادر بطريقة عادلة ومنصفة يمثل عنصراً حاسماً فى هذا التحول.

التقرير الأخير للفريق الحكومى الدولى المعنى بتغير المناخ، والذى وصفه الأمين العام للأمم المتحدة بأنه بمثابة إنذار للبشرية بأننا ندخل منطقة الخطر الحمراء، كان قد بيَّن أن رفع مستوى الطموح فى العمل المناخى إلى أعلى مستوياته هو وحده القادر على إبقاء ظاهرة الاحتباس الحرارى تحت حد الخطر المقدر بـ 1.5 درجة مئوية، وهذا هو ما يمليه علينا العلم لتجنب كارثة مناخية.

وتشمل حملة “لا تختاروا الانقراض” منصة للذكاء الجمعى تسمى Global Mind Pool، للمساعدة على مواجهة أهم قضايا عصرنا الحالى، من خلال ربط الرؤى من جميع أنحاء العالم – حول حالة الطوارئ المناخية، والأزمة فى الطبيعة وعدم المساواة – تدعم منصة Global Mind Pool عمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائى على رفع مستوى معرفة وجاهزية صانعى السياسات فى الحكومة والمجتمع المدنى والقطاع الخاص.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »