نميرة نجم لطلبة جامعة هارفارد: نواجه استعمارًا جديدًا واغتيالا للقانون الدولى

 

قالت السفيرة نمبرة نجم، خبيرة القانون الدولى والهجرة ومدير المرصد الإفريقى، إن العالم يشهد تراجعًا فى احترام القانون الدولى، ونرى اغتيالًا له يوميًا بسبب الأحداث والسياسات العالمية، وعلى الدول النامية فى ضوء ذلك التى تُشكّل في الواقع الغالبية، بينما الأقوياء هم الأقلية فى هذا العالم، ألا يكون أمامها خيار سوى التمسك بالقانون الدولى، فإذا لم نلتزم به، فإن البديل هو الفوضى، وهو أمر لا يخدم مصالحنا، حتى لا نفقد المبادئ التى قامت عليها السيادة، التى أسّسها الغرب بنفسه، وبالتالى سنُهدَّد بفقدان أراضينا مجددًا، ولذلك فعلينا كأفارقة الالتزام بسيادة القانون فى علاقاتنا الخارجية، وإذا نظرتم إلى العقد الماضى، ستلاحظون مدى نشاط قارتنا الإفريقية فى مجال القانون الدولى، سواء من خلال مشاركتنا أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية فى قضايا نزاعية أو إبداء آرائنا فى الفتاوى الاستشارية.

وأضافت، عندما نتحدث عن مشاركة إفريقيا فى القانون الدولى، ينبغى أن ننطلق من منظور إفريقى، لا من منظور القوى الكبرى، نحن لا نزال نعيش تحت ظلال استعمار لم يختفِ، بل اتخذ أشكالًا جديدة، فلا تزال الموارد تُنهب، والبشر يُستغلّون، والهيمنة قائمة ولكن بطرق أكثر تعقيدًا، ولهذا، نواصل النضال وبناء مساهماتنا فى القانون الدولى انطلاقًا من واقعنا وتجربتنا.

ومن هنا، علينا أن نتحدث عن إفريقيا من داخلها، لا من خلال عدسة القوى الكبرى، ما زلنا تحت تأثير قوى استعمارية جديدة تسعى للهيمنة على مواردنا البشرية والطبيعية بطرق مختلفة، وهذا يتطلب يقظة دائمة، واستثمارًا حقيقيًا فى الكفاءات القانونية الإفريقية، حتى نضمن أن صوت إفريقيا مسموع وفعّال فى كل الساحات.

جاء ذلك أثناء كلمة السفيرة -رئيسة فخرية للجمعية الإفريقية للقانون الدولى بباريس- ضمن فعاليات “مؤتمر تطوير إفريقيا” (Africa Development Conference) فى دورته 16 الذى نظمته كلية القانون بجامعة هارفارد بالتعاون مع مدرسة كينيدى للإدارة الحكومية، وذلك فى مدينة بوسطن بولاية ماساتشوستس فى الولايات المتحدة الأمريكية حيث شددت فيه على أهمية تمكين الشباب الإفريقى وإلهامهم لتحقيق إنجازات عالمية.

وأشارت السفيرة، إلى أن قضية تمثيل القارة الإفريقية من قبل محامين أفارقة أمام المحاكم الدولية تُعد مسألة شائكة، لكنها لا تعود إلى نقص فى الكفاءات، لدينا الموارد البشرية المؤهلة من داخل القارة ومن أبنائنا فى الشتات، وجميعهم قادرون على تمثيل إفريقيا بكفاءة واقتدار.

وقالت: مارست مهنتى كمحامية إفريقية داخل القارة وخارجها دون أن أكون من أبناء الشتات، والتقيت خلال مسيرتى بمحامين أفارقة ذوى كفاءة عالية، والإشكالية ليست فى ندرة المحامين، بل فى طريقة التعاطى السياسى مع هذا الملف، فمن يُمنح فرصة الظهور، ومن يُكلَّف بتمثيل القارة، هى قرارات لا تُتخذ بناءً على اعتبارات قانونية فقط، بل تخضع لحسابات سياسية ومالية، والنشاط القانونى فى إفريقيا موجود وفاعل، لكن المشاركة تتفاوت تبعًا لطبيعة القضية واهتمام الدولة بها، فى بعض القضايا، كالهجرة أو المناخ، نجد مشاركة أكبر لأن الدول تُدرك أهميتها وتُوفر الموارد لدعمها.

وأضافت، أول مرة مثّل فيها الاتحاد الإفريقى القارة أمام محكمة العدل الدولية، كنت فخورة بقيادة الفريق القانونى فى قضية استرداد موريشيوس أرخبيل تشاغوس من الاستعمار البريطانى، والتى تُعد قضية مبدئية بالنسبة للقارة، تمامًا كقضية فلسطين، لأنهما ترتبطان بجذور الاستعمار وانتهاكه لحق تقرير المصير، وكانت قضية تشاغوس مثالًا حيًا على استمرار تداعيات الاستعمار، فالسيادة لم تُسترد بعد حتى الآن، وما زالت المملكة المتحدة تحت الضغط، وهناك مفاوضات تجريها مع موريشيوس لاسترداد الجزر، وأى محاولة لتكرار تجربة استيطانية جديدة فى أفريقيا هى أمر مرفوض.

وتابعت السفيرة: أثناء عملى السابق كمستشارة قانونية للاتحاد الإفريقى كنت أحرص على إشراك المحامين الأفارقة فى كل القضايا المعروضة، سواء أمام محكمة العدل الدولية أو أمام المحكمة الجنائية الدولية، لدينا كفاءات قادرة، ونحتاج فقط إلى منحها الفرصة والدعم اللازم لتُظهر قدراتها وتكتسب خبرة أكبر.

وشددت، على أن قضية تشاغوس كانت نقطة تحول، فهى أول مرة يمثل فيها الاتحاد القارة أمام محكمة العدل الدولية، وحققنا فيها إنجازًا قانونيًا وسياسيًا يُعيد التأكيد على وحدة الموقف الإفريقى، وإنعاشنا مبادئ كانت هامدة فى القانون الدولى، ورغم كل التحديات، أكدنا أن لدينا الكفاءات للدفاع عن قضايانا العادلة، وما ينقص أحيانًا هو القرار السياسى والإرادة لتمكين الأفارقة من الدفاع عن إفريقيا وهو ما فتح ومهد الطريق أمام الاتحاد للمشاركة فى القضايا التى تدخل فى دائرة اهتمامه أمام المحاكم الدولية.

ومن جهة أخرى، قالت السفيرة: فيما يخص قارتنا الإفريقية، أود الإشارة إلى اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، التى تُعد أكبر اتفاقية من نوعها على مستوى العالم، وكنت شخصيًا وديعةً لهذه المعاهدة خلال فترة عملى فى الاتحاد الإفريقى.

وكانت هذه المعاهدة الأسرع توقيعًا ودخولًا حيّز التنفيذ فى تاريخ القارة، وهى تعبّر عن كيفية رغبة الأفارقة فى دمج القانون الدولى فى علاقاتهم التجارية والاستثمارية.

ونحن نحاول تحقيق ذلك من خلال آليات مثل المعاهدات، والقانون غير الملزم، والقرارات، وكذلك احترام مبادئ التغيير الدستورى، وفقًا للقانون الدستورى للاتحاد الإفريقى، لضمان احترام حقوق الإنسان وحقوق الشعوب، مضيفة، لا نعيش فى عالم مثالى، وما زلنا نواجه صراعات داخل الدول وبينها، لكن على الأقل لدينا أهداف واضحة نسعى لتحقيقها.

وعندما نتحدث عن سلامة أراضينا والتنمية المستدامة، نؤكد أن هذه قضايا محورية، خاصة بالنسبة للشباب الإفريقى، خصوصًا أنه بحلول عام 2050 سيكون واحد من كل ثلاثة أشخاص فى سن العمل على مستوى العالم إفريقيًا، ما يجعلنا فى موقع محورى عالميًا، لذلك، نحن بحاجة إلى استثمارات حقيقية وتنمية فعلية فى إفريقيا.

ولهذا السبب، نجد أن المجموعة الإفريقية نشطة جدًا فى مؤتمرات الأطراف (COP) الخاصة بالتغير المناخى، كما أن الاتحاد الإفريقى نشط فى محكمة العدل الدولية وهيئات أخرى معنية بالتنمية المستدامة.

وإذا عدنا إلى بروتوكول الاستثمار الملحق باتفاقية التجارة الحرة القارية، سنجد تركيزًا واضحًا على التنمية المستدامة وحماية البيئة.

وهذا أمر أساسى بالنسبة لإفريقيا، لأننا نحن من يتحمل نتائج التلوث الصناعى والتغير المناخى الذى تسبب فيه الشمال العالمى، ونحن من يدفع الثمن الصحى والبيئى.

وعن انسحاب بعض الدول الأفريقية من منظمة الإيكواس، أوضحت السفيرة أن السبب هو شعور هذه الدول بالتدخل الأجنبى المفرط فى شؤونها الداخلية، بحجة محاربة الإرهاب، دون النظر فى من يموله أصلًا، والموضوع فى النهاية سياسى جدًا، لكنه يعكس تحدى حقيقى يواجه القارة فى علاقتها مع العالم الخارجى.

وعن تداعيات مشكلة جائحة كوفيد، أكدت السفيرة أن جزءًا كبيرًا منها يكمن فى مسألة اللقاحات، حيث وقعت الحكومات شيكًا على بياض لشركات الأدوية، لكى تختبر علينا بشكل أساسى، بدون عواقب قانونية لتلك الشركات.

لكن إذا تحدثنا دوليًا، فإن أولئك الذين عانوا من ذلك، يمكنهم بالفعل رفع قضايا ضد حكوماتهم لقبولها ذلك، وربما يمكن أن يحدث ذلك يومًا ما.

وعند التحدث عن الدراسات السابقة والقضايا المتعلقة بالتأثيرات أو التفاعل بين الصحة والقانون الدولى، يمكنكم رؤيته أيضًا فى قضايا الأسلحة النووية والتلوث النووى، لأنه يتداخل كثيرًا مع الصحة.

وعقّبت السفيرة، على وصول الطالبات الإفريقيات إلى الدراسة فى مؤسسات مرموقة مثل جامعة هارفارد وتحقيق نجاحات كبيرة، مؤكدة، أن ذلك ليس حكرًا على جنسية أو منطقة، قائلة: الشباب الإفريقى قادر على بلوغ مستويات لم يحلموا بها أبدًا.

كما وجهت السفيرة، رسالة خاصة إلى الشابات الطموحات فى مجال القانون من الإفريقيات فى المؤتمر، معتبرة، أنهن قدوة لغيرهن فى القارة،

وأضافت، أنتنّ تمثلن بلدانكن فى الخارج، وهذا أمر بالغ الأهمية، أرى الكثير من الشابات الطموحات أمامى اليوم، وعليكن أن تلعبن دورًا فى إلهام النساء الأخريات فى إفريقيا، ليرين أنهن أيضًا قادرات على أن يكنّ فى مكانكن يومًا ما.

وشددت السفيرة، على أن المعرفة لا تأتى من مؤسسات مثل هارفارد فقط، بل من تجارب متنوعة، بما فى ذلك التجربة الإفريقية، ولا يوجد ما يدعونا إلى النظر دائمًا خارج القارة لفهم كيفية التقدّم أو بناء النماذج.

كما أكدت، على أهمية مثل هذا المؤتمر فى تطوير إفريقيا وتعزيز الحوار والتواصل، ووصفته بأنه فرصة للتفكير فى المسارات المهنية ولرؤية نماذج يُحتذى بها من مختلف الخلفيات.

وأضافت، دعونا نركّز على القضايا الجوهرية، وعرض قصص نجاح نساء رائدات فى القانون، حتى نلهم الأخريات للسعى نحو التميز، علينا احتضان تجاربنا الخاصة والتعلم منها فى إفريقيا.

وختمت كلمتها بدعوة إلى التمكين الجماعى، مضيفة، فلنمكّن بعضنا البعض لبلوغ آفاق جديدة وإحداث فرق حقيقى فى العالم.

أدار الجلسة، جاكوب أوموروديون – محامى أمريكى وكبير المساعدين فى مكتب ويلمر هايل القانونى وهو من أصل نيجيرى وأحد خريجى جامعة هارفارد.

وتحدث فى جلسة الحوار بالمؤتمر، إدريس فوفانا – أستاذ مساعد فى القانون والتاريخ بجامعة هارفارد، وعبر برنامج زووم أونلاين شارك تاهيديسو راموغالى – أحد محامى جنوب أفريقيا فى قضية الإبادة الجماعية المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية، وغوليد يوسف – محام دولى (صومالى)، يعمل لدى شركة شيرمان للمحاماة الدولية فى المملكة المتحدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »