نميرة نجم تُحذِّر : اختيار أمريكا للقوة فقط بديلا عن القانون كارثة عليها وعلى العالم

 

حذرت السفيرة د. نميرة نجم مدير المرصد الأفريقى للهجرة وخبيرة القانون الدولى والرئيسة الشرفية للجمعية الإفريقية للقانون الدولى، فى تجمع عالمى ضم محامين وخبراء دراسين القانون الدولى فى واشنطن قائلة: لا يمكننى التحدث كثيراً عن السياق الأمريكى، ولكن كل ما نراه اليوم يحدث فى الولايات المتحدة، إذا لم يُطعن فيه، ولم يكن هناك موقف حقيقى لسيادة القانون، فلن تكون هناك “حقيقة” على الإطلاق، والقوة فقط هى التى ستسود، وهذا سيكون كارثياً للعالم، وليس فقط للولايات المتحدة.

جاء ذلك أثناء الحلقة النقاشية التى جاءت تحت عنوان “حق اللجوء إلى الحرب (Jus ad Bellum)” ضمن فعاليات المؤتمر السنوى للجمعية الأمريكية للقانون الدولى (ASIL) فى دورته الـ 119، والذى عقد فى العاصمة الأمريكية واشنطن.

وأشارت السفيرة فى كلمتها، إلى أن “المحامين يُستدعون لإعطاء، كما نقول، ‘التغليف’ لكيفية تفعيل ما يريده التنفيذى”، مؤكدة، أن المشورة القانونية، وإن كانت تُقدم عبر الوزراء المعنيين، غالباً ما تبقى محصورة فى أروقة السلطة العليا عند اللجوء للحرب.

وأكدت، أن قرار الذهاب إلى الحرب يظل فى المقام الأول قراراً تنفيذياً وسياسياً تتخذه القيادات العليا فى الدول، مشيرة، إلى أن دور القانون والمستشارين القانونيين غالباً ما يأتى فى مرحلة لاحقة لتبرير وتفعيل هذا القرار وإن كان هناك بعض الأنظمة تتطلب معرفة الوضع القانونى قبل الذهاب للحرب.

واستعرضت السفيرة، الإطار الدستورى المصرى لاتخاذ قرار الحرب، موضحة، أنه على الرغم من أن الرئيس هو صاحب القرار، إلا أنه مُلزم بالتشاور مع مؤسسات عليا مثل مجلس الأمن القومى ومجلس الدفاع الوطنى والبرلمان.

وفى سياق التجربة المصرية، أوضحت السفيرة أن مصر تتبنى عقيدة دفاعية، وتجنبت شن أى حروب من أجل الحفاظ على السلام فى المنطقة وحماية الأمن القومى لها وحماية حدودها.

وعلى الصعيد الأفريقى، أكدت السفيرة أن المادة 4(h) من القانون التأسيسى للاتحاد الإفريقى تُجيز حق التدخل فى دولة عضو حال وقوع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، خصوصاً فيما يتعلق بحماية المدنيين.

وأشارت، إلى أن الاتحاد إلى جانب التكتلات الإقليمية كمنظمة “إيكواس”، تدخل فى حالات مثل غامبيا وسيراليون، إثر تغييرات غير دستورية للحكومات، وهى ظاهرة تصاعدت منذ التسعينيات وأثّرت على استقرار القارة.

ورغم وجود هذه القواعد، أوضحت أن التطبيق لا يزال دون المستوى المطلوب فى ظل وجود 23 نزاعًا مسلحًا حاليًا فى أفريقيا .

وأضافت السفيرة، من واقع مشاركتى فى مداولات مجلس السلم والأمن، أن الدول الأعضاء تتعامل بحذر قبل اتخاذ قرارات بالتدخل، وتحرص على التشاور المنتظم مع مكتب المستشار القانونى للاتحاد الإفريقى.

وأوضحت، أنها تنظر إلى القانون الدولى بالطريقة التى درستها فى لندن، فلو عدنا إلى كتاب إيان براونلى، نجد أنه تحدث عن الدفاع عن النفس، وتحدث بشكل موسع عن الضربة الوقائية، لكنه فى النهاية قال: إنها ليست جزءاً من القانون الدولى، وأنه ليس قانونياً بموجب القانون الدولى تنفيذ ضربة وقائية.

وأكدت السفيرة، أن هناك عاملاً هاماً يجب أن نُلفت الانتباه إليه، وهو لإعطاء بعض الشرعية لمبدأ “Jus ad Bellum” (الحق فى الحرب) الذى تم تجاهله كثيراً، لأننا نركز كثيراً على “Jus in Bello” (قانون الحرب أثناء النزاع)، محكمة العدل الدولية عندما أعلنت العام الماضى فى رأيها الاستشارى عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية منذ عام 1967، وأراضٍ عربية أخرى محتلة، استخدمت “Jus ad Bellum”، وليس “Jus in Bello”.

وأضافت، كنت عضواً فى الفريق القانونى المترافع عن دولة فلسطين فى هذه القضية، وكمحامين فى الفريق الفلسطينى أمام العدل الدولية دافعنا بكل الأدوات القانونية فى هذه القضية، لكن الأساس فى عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلى كان الاستيلاء على أراضى الغير بالقوة — وهذا هو جوهر عدم الشرعية — وتأثير ذلك على حق الشعوب فى تقرير مصيرها.

لذا، يجب أن نتذكر مدى أهمية مبدأ “Jus ad Bellum” فى التصنيفات القانونية والمشاورات الدولية، مع استثناء التحالفات الاستراتيجية الذى يُتخذ فيه القرار سواء بحضور المحامين أو لا، وهذا هو البُعد السياسى، وشاهدنا ذلك، فى التحالف الاستراتيجى بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة، فالمشاورات تتم بينهما على جميع المستويات، ورأينا ذلك فى الأمم المتحدة أثناء عملى كمستشار قانونى لبعثة مصر فى نيويورك.

وأضافت السفيرة، عندما يكون المحامون الدوليون فى غرفة الإجتماعات، فلكل منهم وجهات نظر مختلفة، مع بعض الأبعاد المتباينة، والمحامون المدنيون الذين عملت معهم، وقدمت العديد من الاستشارات القانونية كجزء من الحكومة، يقدمون نصائحهم استناداً إلى الخط الذى يعرفونه مسبقا عن سياسية دولته.

ولهذا أتفق بعدم وجود رأى قانونى موضوعى بحت فى التنفيذ، لأن المحامى الذى يتحدث باسم دولته يفسر القانون طبقا لمصالح الدولة التى يمثلها.

وأضافت السفيرة، عندما كانت أتفاوض بإسم مصر على وثائق لاتفاقيات الأمم المتحدة، كان لديهم كمفاوضين مصطلح يُعرف بـ “الغموض البنّاء” (Constructive Ambiguity)، ما هو الغموض البنّاء؟ نحن نغادر جميعاً الغرفة ونحن غير سعداء بالنص الذى توصلنا إليه فى معاهدة، لكن كمحامين وممثلى دول مختلفة يمكننا التعايش معه، لماذا؟ لأن كل واحد منا وضع ما يكفى من الثغرات بحيث يمكننا، عندما نعود إلى حكوماتنا، أن نفسر النص بطريقة تخدم النقطة التى بدأنا بها التفاوض، هذه هى الحقيقة، وهى تتعلق بالانتقال من الأحادية إلى التعددية، ثم العودة مرة أخرى إلى الأحادية.

وعلقت السفيرة قائلة: نحن كمحامين كثيراً ما نُنتقد لاستخدامنا المصطلحات القانونية بشكل مفرط، ولكن عندما تستمر فى إدخال عناصر جديدة ويتم مناقشتها على مستويات عليا، فى المؤسسات الأكاديمية، وفى الحكومات حيث يتم تبنيها كعقائد، تظهر مشكلة المعايير لأننا لا نتفق على بعض العناصر فيها.

وقالت السفيرة: عندما تجلب محامى الجيش إلى غرفة الاجتماعات والمداولات، فإنهم يفكرون كأولوية بكيفية مثولهم لقوانين الحرب والقانون الدولى الإنسانى على الأرض ولكنهم غالبا لن ينظروا إلى الجوانب المختلفة التى ينظر إليها المدنيون، وهذا هو الفرق بين شخص عمل فى وزارة الخارجية أو فى منظمة دولية، ثم تم استدعاؤه أمام حكومته مقابل شخص ينظر فقط من منظور عسكرى، والفرق شاسع هنا، فعندما يكون محامو الجيش فى الغرفة، فإنهم يأتون من خلفيات مختلفة، فهناك من يختص فقط بسلاح الجو، وآخر بالبحرية وآخر بفروع أخرى من الجيش.

لذلك كل واحد سيركز فقط على كيفية اتخاذ القرار لفرعه العسكرى، أى من منظور عسكرى ضيق، بدلاً من النظر إلى المنظور العالمى، هم أيضاً ينظرون فعلياً إلى المنظور العالمى، لكن من وجهة نظر عسكرية فى كيفية تتفاعل الجيوش الأخرى، من الناحية العملياتية وليس القانونية الدولية التى تستخدم فى قاعات الأمم المتحدة على سبيل المثال.

وأكدت، أن نقص المعلومات بالتأكيد يؤثر على الرأى القانونى، لأنه إذا كنا نتحدث عن نص قانونى، فإذا كنت أكتب ورقة أكاديمية أو أتفاوض على نص، فلا بأس، لأننى فقط أبحث فى الكتب، ولكن إذا كنت سأطبق القانون، فأنا بحاجة إلى الحقائق، وبدون الحقائق.

قد يتغير رأيى القانونى فى موقف معين، وأحياناً نُهاجم المحامين الذين يكتبون شيئاً ثم يغيرون نصيحتهم لاحقاً، لكنهم لا يغيرون رأيهم لأنهم لا يريدون إعطاء النصيحة الصحيحة، بل لأن الوقائع تغيرت، وهذا أمر طبيعى.

وفى ختام كلمتها، أوضحت السفيرة أن هذه هى الديناميكيات التى تحدث فى مداولات الغرف المغلقة، سواء على المستوى العالمى أو الوطنى، ونصيحتى للمحامين هى أن يكونوا أكثر فعالية، وأن يقدموا النصيحة بشكل أسرع لدعم كلا الجانبين، لكن بالطبع فى النهاية إذا كنا نتحدث عن القانون بين الحقيقة والسلطة فلا توجد حقيقة، السلطة هى التى تتحدث فى النهاية.

أدارت الحلقة النقاشية، تيس بريدجمان دكتورة القانون الدولى فى كلية الحقوق بجامعة بيركلى، والتى عملت كمساعدة خاصة للرئيس الأمريكى ونائبة المستشار القانونى لمجلس الأمن القومى الأمريكى خلال إدارة أوباما، كما عملت فى وزارة الخارجية الأمريكية فى مكتب المستشار القانونى كمساعدة خاصة له، ومستشارة قانونية سابقة فى مكتب الشؤون السياسية-العسكرية.

شارك فى الندوة كل من: دوغ ويلسون رئيس المجموعة القانونية لمجلس الأمن القومى البريطانى، والمدير العام لمكتب النائب العام فى المملكة المتحدة، الذى شغل سابقاً منصب المدير القانونى فى وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات GCHQ، كما عمل كمحامى ودبلوماسى بريطانى فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو محامى من رتبة King’s Counsel، وتشيمن كيتنر أستاذة القانون بجامعة كاليفورنيا – ديفيس والمستشارة السابقة للقانون الدولى فى وزارة الخارجية الأمريكية، وسرينيفاس أستاذ مشارك فى كلية الدراسات القانونية، جامعة جنوب آسيا – نيودلهى، وعمل سابقاً لدى منظمة AALCO (اللجنة الاستشارية القانونية الآسيوية الإفريقية) واللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »