نحو نظام دولي متعدد الاقطاب

 

لسنوات عديدة ظل الرئيس الروسي بوتين يردد مع نظيره الصيني شي بنج دعوتهما لاقامة نظام دولي متعدد الاقطاب، نظام يستطيع ان يضع نهاية للهيمنة الامريكية الاحادية علي النظام الدولي الحالي.

متصورين ان هذه التعددية هي التي ستخرج النظام الدولي من مأزقه الراهن ، وتحقق مستوي اعلي من الندية والديموقراطية في ادارته بدلا من انفراد قطب دولي واحد بها.. وفرض ارادته علي العالم.

وفات عليهما ان تحقق تعددية الاقطاب في النظام الدولي فعلا لا تكون بالبيانات والاعلانات وبالتصريحات التي تصدر عنهما في المناسبات كما تفعلان،، وانما بان يمارسا كقوتين دوليتين كبيرتين ثقلا دوليا موازيا للثقل الذي تدير به امريكا هذا النظام ويمنحها.

هذه القدرة الهائلة علي التأثير في كافة قراراته َومن الهيمنة التامة علي كافة اجهزته ومؤسساته.. لكن الحاصل فعلا هو ان هذا الثقل الروسي الصيني الموازي للثقل الامريكي لا وجود فعلي له علي ارض الواقع ، ويكاد يكون غائبا تماما في كافة الازمات الدولية الساخنة التي تضرب العالم في كل مكان، وآخرها ازمة الحرب الامريكية الاسرائيلية علي ايران وهي الازمة الخطيرة التي تهدد باغراق العالم في دوامة مخيفة من العنف والفوضي وعدم الاستقرار اذا لم يتم كبح جماحها .

وهو ما كان يلزمهما بدور كبير لهما فيها…الا انهما تهربتا منه منتحلين لانفسهم شتي الاعذار والمبررات.. وهو ما لا يليق بسلوك اقطاب دوليين كبار.

ما نراه من روسيا والصين في الشرق الاوسط كما في غيره، من مناطق الصراعات والازمات في العالم، لا يعدو ان يكون ردود فعل باردة ولا اقول ميتة، وادوارا سلبية ومتخفية وراء ستار من العبارات الدبلوماسية الروتينية المالوفة والمتكررة ، التي تنأي بنفسها عن اتتهاج مواقف حاسمة ومؤثرة بشجاعة تحسب لها كقوي دولية كبيرة حاضرة وفاعلة.

علي غرار ما كان يحدث في ظل النظام الدولي الثنائي الاقطاب الذي ساد في فترة الحرب الباردة القديمة.. عندما كان هؤلاء الاقطاب يهزون العالم كله بمواقفهم وقراراتهم دون حاجة منهم الي التلويح بقوتهم التي كانوا يحسبون لها في حسابهم لمواقفهم مع بعضهم الف حساب ويعرفون معها حدودهم التي يقفون عندها.

ولم يغيبوا ابدا بادوارهم عن ازمة دولية واحدة من اوروبا الي الشرق الاوسط الي امريكا اللاتينية الي افريقيا الي فيتنام الي افغانستان، كانوا دوما في قلب العالم كما كانوا حاضرين ايضا علي.كافة هوامشه واطرافه لم يغيبوا عنها .

كانوا اقطابا دوليين كبارا بحق ، وليسوا نمورا من ورق بالصورة المؤسفة التي نراهم عليها الآن مع الخوف الذي يتملكهم طول الوقت من مواجهة القطب الامريكي المنفلت الذي يصول ويجول وحده في كل مكان دون ان يجد من يقف في طريقه ليردعه او ليضع الضوء الاحمر امامه ليجبره علي التوقف او التراجع عن اندفاعه وتهوره الذي تجاوز كل الحدود.. ، القطب الامريكي الذي استطاع ان يضع كافة اجهزة ومؤسسات النظام الدولي في قبضة يده وتحت تصرفه يحركها كيفما يشاء.

حتي لم يعد العالم يسمع عن مجلس الامن الدولي الذي يكاد يكون قد اختفي. بعد ان اخرجه الفيتو الامريكي من الخدمة الفعلية. وافقده دوره الذي طالما كان له حتي خلال حقبة الحرب الباردة القديمة بظروفها الدولية الاستثنائية الصعبة ، وجعله اثرا من الماضي بلا اي مستقبل له .

كل ذلك حدث ويحدث في ظل غياب وصمت روسي وصيني تام.الا من بيانات الشجب والتعاطف المعتادة التي لا يختلفان بها عن غيرهما من الدول الصغيرة.التي لا تملك غيرها لتعبر به عن مواقفها.

وبياناتهما الاخيرة حول الحرب الامريكية الاسرائيلية علي ايران تثير الرثاء بل التقزز والاشمئزاز ببرودها وتبلدها وانعدام فاعليتها وجدواها.

هذا هو المناخ الحقيقي لتعددية الاقطاب التي لا تكف روسيا والصين عن المطالبة بها.. وكانهما حققتا كل شروطها ومعاييرها ولم يبقي الا وضعها فعلا موضع التنفيذ.

سلبيتهما وتقاعسهما عن ادائهما لدورهما كقوتين كبيرتين هو احد اهم اسباب ازمة النظام الدولي الراهن. وهذه هي الحقيقة التي يشهد العالم كله عليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »