فى محاضرته بـ”جمعية الأمم المتحدة”: د. هشام بشير: مواجهة تغير المناخ تتطلب تضافر الجهود الدولية

 

عقدت الجمعية المصرية للأمم المتحدة ندوة بعنوان “دور الأمم المتحدة فى مواجهة التغيرات المناخية فى إطار حقوق الأجيال القادمة فى بيئة ملائمة”، حاضر فيها د. هشام بشير أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولى، وكيل كلية السياسة والاقتصاد لشؤون الدراسات العليا والبحوث بجامعة بنى سويف، وقدمها السفير عزت البحيرى رئيس مجلس إدارة الجمعية، وأدارها د. عصام الدين فرج أمين عام الجمعية.

استعرض د. هشام بشير محاضرته فى أربعة محاور وهى: مفهوم التغير المناخى، ودور منظمة الأمم المتحدة فى مكافحة التغيرات المناخية، ونظرة تقييمية على دور الأمم المتحدة فى مواجهة التغيرات المناخية، وقام بطرح عدد من التوصيات، مؤكدًا، أن تغيُّر المناخ يشكل مخاطر كبرى تهدد المجتمعات البشرية بأسرها، ولما له من تداعيات سلبية وتأثيرات كبيرة فى شتى مجالات الحياة: البيئية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

وقال: إن تغير المناخ يمثل القضية الجوهرية والأكثر أهمية فى عصرنا الحالى، لأن الآثار الخطيرة لتغير المناخ على مستوى العالم أصبحت واسعة النطاق ولم يسبق لها مثيل من حيث الحجم، وسوف يكون التكيف مع هذه التأثيرات السلبية أكثر صعوبة وتكلفةً فى المستقبل، ما لم تتخذ إجراءات جذرية عاجلة، مشيرًا، إلى أنه فى السنوات الأخيرة تجسدت التأثيرات الناجمة عن تغيُّر المناخ فى عدة أشكال من أبرزها: حرائق الغابات، والسيول، والتغيُّرات فى متوسط درجات الحرارة، تبعها تغيُّر فى أوقات فصول السنة الأربعة، وأنماط الطقس التى تهدد الإنتاج الغذائى، وارتفاع منسوب مياه البحار التى تزيد من خطر الفيضانات الكارثية، لافتًا، إلى أن هذه التأثيراتُ سوف تتفاقم فى المُستقبل، مما يُهدد بتعرض ملايين السُّكان، لاسيّما فى البلدان النامية لنقصٍ فى المياه وفى المواد الغذائية، وفى الرعاية الصحية، كما ستتعرض أجزاء من سواحل هذه البلدان للغرق.

وأوضح، أن قضية التغير المناخى ذات طابع عالمى، لذا فإن أى جهود للحفاظ على البيئة داخل إقليم الدولة سوف تبقى محدودة الفعالية، لذلك تتطلب حماية البيئة مجهودات دولية من خلال التعاون بين كافة الدول، تكمل المجهودات الوطنية وتزيد فرص نجاحها، مشيرًا، إلى أن دول العالم أدركت مدى خطورة ظاهرة التغيرات المناخية، والآثار البيئية الضارة المترتبة عليها، ومن ثم ضرورة البحث عن حلول عالمية تشترك فيها جميع دول العالم بلا استثناء، وأن حماية الغلاف الجوى من التدهور تعد إحدى أهم المشكلات العالمية التى تطلب مثل هذا التعاون والدعم الدولى فى جميع الجوانب، كما تتطلب مشاركة الجهات ذات الخبرة فى هذا المجال كالمنظمات الدولية.

وأكد، أن منظمة الأمم المتحدة تأتى فى مقدمة المنظمات الدولية التى قامت بجهود كبيرة لحماية الغلاف الجوى ومكافحة تغير المناخ، من خلال أجهزتها الرئيسية ووكالاتها المتخصصة، سواء على المستوى العلمى أم القانونى أم المالى أم الصحى، مشيرًا، إلى أن الاهتمام العالمى بتغير المناخ بدأ فى السبعينيات من القرن العشرين مع مؤتمر ستوكهولم 1972 الذى جمع 115 دولة لمناقشة السياسات البيئية وتقليل الفقر.

تلا ذلك المؤتمر العالمى الأول للمناخ فى جنيف 1979، الذى أنشأ “برنامج المناخ العالمى” لمراقبة المناخ.

وفى 1985، وقعت 28 دولة على “اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون” لحماية البيئة من آثار تعديل الأوزون، تلتها صياغة بروتوكول مونتريال 1987 للتخلص التدريجى من المواد المستنفدة للأوزون بحلول عام 2040، لافتًا، إلى أن إعتراف الأمم المتحدة بتغير المناخ كتهديد خطير فى عام 1988 كان بمثابة طليعة الجهود الرامية إلى إنقاذ كوكب الأرض، حيث تلى ذلك عام 1990 قرار بأن المسؤولية الرئيسية لمكافحة التلوث تقع على عاتق الدول المتقدمة.

وفى عام 1992، ومن خلال “قمة الأرض” ظهرت للنور اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ كخطوة أولى فى التصدى لمشكلة تغير المناخ.

واليوم تتمتع هذه الاتفاقية بعضوية شبه عالمية، وصدقت 197 دولة على الاتفاقية كأطراف فيها، والهدف النهائى للاتفاقية هو منع التدخل البشرى “الخطير” فى النظام المناخى.

وأوضح، أن من أبرز أدوار منظمة الأمم المتحدة لمواجهة ظاهرة التغيرات المناخية، إنشاء الهيئة الدولية الحكومية المعنية بالتغيرات المناخية (IPCC) عام 1988، وذلك تحت قيادة دولية تتولى الإعداد لاتفاقية دولية للمناخ.

بالإضافة لتأسيس برنامج الأمم المتحدة للبيئة بناءً على توصيات مؤتمر ستوكهولم عام 1972، والذى يهدف لتنسيق مراقبة التغيرات البيئية العالمية من خلال شبكة دولية لمراقبة الأرض لمتابعة التغيرات المناخية والتعامل مع التغيرات الطبيعية والبشرية وتأثيراتها.

وأشار، إلى أن جهود الأمم المتحدة تواصلت فى هذا الإطار، وأن الجمعية العامة دعت لعقد مؤتمر دولى لطرح اتفاقية دولية للمناخ فى ريو دى جانيرو عام 1992، مشيرًا، إلى أن دول العالم المشاركة بالمؤتمر صدقت على الاتفاقية الإطارية بشأن التغيرات المناخية، وتفاوضت بشكل دورى-سنوى- من خلال مؤتمر سُمى بمؤتمر الأطراف “Conference of the Parties”، وأن عدد المؤتمرات الدولية التى انعقدت لصياغة اتفاقية تغير المناخ بلغ ثمانية وعشرين مؤتمرًا، كان أولها فى برلين عام 1995، وانعقد آخرها فى دبى فى ديسمبر الماضى.

واستعرض د. هشام بشير خلال محاضرته، كافة مؤتمرات المناخ الـ28 التى عقدت حتى الآن، لافتًا، إلى أن مؤتمر المناخ التاسع والعشرين سوف يعقد فى باكو عاصمة أذربيجان خلال نوفمبر 2024.

وأوضح، أن الأمم المتحدة أطلقت عام 2015 خطة التنمية المستدامة لعام 2030، مؤكدًا، أن التنمية المستدامة والعمل المناخى مرتبطان، وكلاهما ضرورى لرفاهية البشرية فى الحاضر والمستقبل، مشيرًا، إلى أن صندوق “المناخ الأخضر” هو آلية مالية أُنشئت بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ بهدف دعم البلدان النامية فى جهودها للتكيف مع تغير المناخ وتخفيف آثاره.

وأضاف، أن هناك أدوات قانونية للأمم المتحدة تهدف لوضع قواعد دولية ملزمة بشأن البيئة، وأن هناك العديد من الاتفاقيات الدولية التى تم إبرامها بهدف التقليل من الأضرار الناتجة عن ظاهرة تغير المناخ، ومنها: اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وبروتوكول كيوتو، واتفاق باريس، والتى تهدف للاهتمام بالعمل المناخى على مستوى العالم، وإلزام الدول بتقليل انبعاثات الكربون الذى يعد المسبب الرئيسى لظاهرة تغير المناخ.

وأشار، إلى أنه رغم جهود الأمم المتحدة المبذولة فى إطار مكافحة التغيرات المناخية، إلا أنها لا ترتقى إلى المستوى المطلوب والمأمول فى مجال مكافحة ظاهرة التغيرات المناخية، لافتًا، إلى وجود تحديات سياسية واقتصادية وأمنية، تحول دون قيامها بدور كبير فى هذه القضية.

وأضاف، لضمان حقوق الأجيال القادمة يتطلب الأمر تقليص الانبعاثات العالمية بنسبة 50% بحلول عام 2030 لتحقيق هدف اتفاق باريس، بالإضافة إلى استثمار مليارات الدولارات فى استراتيجيات التكيف مع التغيرات المناخية، مثل تحسين البنية التحتية وتعزيز الأنظمة الزراعية المستدامة، مشيرًا، إلى أن هذا يتطلب التزاماً عالمياً قوياً بتنفيذ سياسات فعالة تدعم الاستدامة البيئية والاجتماعية لضمان حقوق الأجيال القادمة.

وفى ختام محاضرته أوصى د. هشام بشير بضرورة أن تضطلع الدول الصناعية الكبرى بمسؤولياتها فى الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، باعتبارها مصدرًا وسببًا رئيسيًّا لما تعانيه دول الجزء الجنوبى من الكرة الأرضية، وأن تتعاون الدول مع المنظمات الإقليمية والدولية من أجل مكافحة التداعيات الناجمة عن التغيرات المناخية أو على الأقل للتخفيف من حدتها، وإيجاد طرق بديلة لكسب العيش فى حال تعرض القطاع الزراعى لتأثيرات بالغة نتيجة التغير المناخى.

وطالب، بقيام الدول الأكثر تضررًا من التغيرات المناخية بالعمل على تكثيف الجهود من أجل التصدى للآثار السلبية لهذه التغيرات، والتقليل من حدة أبعادها الأمنية، ووضع وتعزيز سياسات التكيف عبر وضع الخطط اللازمة بالشراكة مع المجتمع، وضرورة الاعتماد على التنمية المستدامة التى تهدف لتحقيق حاجات الأجيال الحالية مع عدم إلحاق الضرر بحاجات الأجيال القادمة، من خلال المحافظة على عدم تزايد مشكلات المياه والغذاء والطاقة، والعمل على توحيد الرؤى السياسية والإعلامية والاستراتيجية بين الدول الصناعية الكبرى حول المخاطر المتعددة للتغيرات المناخية، وأن على الدول وضع سياسة إعلامية موحدة من أجل توعية أفراد المجتمع بالمخاطر والتداعيات السلبية الناجمة عن ظاهرة التغيرات المناخية.

كما أوصى، بضرورة تعديل اتفاقيات التغير المناخى حتى تنص صراحة على مبدأ العدالة المناخية وتجعله مبدأً مُلْزمًا، خاصة للدول الصناعية الكبرى، وأن تتحمل الدول المتقدمة العبء الأكبر من الدول الفقيرة فى التصدى للتغيرات المناخية، وهو ما يُعرف بمبدأ المسؤولية المشتركة لكن المختلفة، وإعداد الأبحاث والدراسات التى تتناول قضية العدالة المناخية، وذلك لإلقاء مزيد من الضوء على هذه القضية، ووضع التصورات لتنفيذ مبدأ العدالة المناخية من أجل تحقيق أهداف هذا المبدأ، وتوضيح الحقوق المتعلقة بالعدالة البيئية فى ظل القانون الدولى لحقوق الإنسان، على أن يطلق على مثل هذه الحقوق مصطلح الحقوق الخضراء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »