بعض الاساطيرالنوبية المتوارثة عن النيل

في بلاد النوبة تقول بأنهم ينظرون إليه كسبب للحياة وأكثر بكثير من مجرد مصدر للماء والغذاء دائما
يستبشرالنوبيون بالنهر كمصدر للأمل والتفاؤل والسعادة، ويؤمنون ببركة مياهه، لذا يبدأون قصص أطفالهم في الحياة مع النهر، حيث يؤخذ المولود في موكب نسائي إلى نهر النيل عقب ولادته ليُغسل وجهه ويديه وقدميه من مياهه، وحتى لا تنقطع علاقة المولود بالنهر يلقون بالمشيمة في قاع النهر، آملين استمرار النسل، قبل أن يعود الموكب النسائي مجدداً بعد مرور أسبوع ليجدد طقس الاغتسال للمولود/ة.
وفى اليوم الأربعين من الولادة تتجمع السيدات والفتيات من أهل المولود الجديد، وتحمل الأم مولودها، وتذهب معهم به إلى النيل العظيم، لتتطهر الأم من نفاسها بغسل وجهها ويديها وقدميها في مياه النهر، وتغسل للرضيع وجهه ويديه وقدميه بمياهه المقدسة، وعند عملية الختان يتكرر مجدداً طقس زيارة الموكب للنهر بالمولود/ة.
طقوس الاحتفاء بالمولود الجديد في مياه نهر النيل هي في عداد الموروثات الثقافية للمملكة النوبية، التي ترعرعت على ضفاف النهر، وآمنت بقدسيته كمصدر للحياة، وهو ما دفع النوبيين إلى ربط حياتهم به، كما اعتقدوا أن مياهه تقي النفوس من الحسد والسحر والشر، لذا تعددت زياراتهم للنهر لتطهير وتحصين نفوسهم قبل أن تنتشر تلك الطقوس عندهم
وكذلك لم ترتبط قدسية النيل للنوبيين في مرحلة الميلاد فقط، بل امتدت على مدار مراحل حياتهم من بلوغ وزواج حتى الوفاة، فيغتسل الزوجان بمياه النهر كأحد طقوس ما قبل الزواج، ويتخلص الخاطئون من آثامهم بالاغتسال في النهر، وتؤخذ ملابس المتوفي إلى النهر ليتم غسلها في مياهه، قبل أن تُهدى إليه”.
وما زالت بعض القبائل على ضفاف النيل، تحمل جثمان الميت إلى النهر لغسله بمياهه قبل الدفن، مؤمنين بقدرة مياه النهر على تطهير الروح وإراحتها قبل انتقالها للعالم الآخر، وتصطحب النوبيات في قرى النوبة القديمة النهر وروافده، فالمرأة الأرملة بعد وفاة زوجها وانقضاء عدتها، لتدفع الشرور والفأل السيىء عنها عبر اغتسالها في مياه نهر النيل، كما تنتشر الأساطير حول اعتقادات قديمة بأن الرجل الذي يلتقي الأرملة أثناء رحلة ذهابها للنهر سوف يلحق بزوجها ويموت، لذلك يصاحب المرأة عدد من أهلها وجيرانها لتحذير الرجال في الطريق بشكل مسبق ليتراجعوا أو يغيروا مسارهم، حتى لا يلقاها أحدهم قبل خلاصها من طاقة الموت والحزن، فيموت.
ففى بلدة ناوا النوبية بالسودان
تنتشر روايات السحر، ويتناقل الأهالي إحدى الروايات الأسطورية التي تقول إن السحرة يستطيعون تحويل أنفسهم لتماسيح، فيجوبون النيل ليل نهار، حيث يمكن رؤية تماسيح ضخمة بعيون مختلفة في قري “ناوا” و”ملواد” و”أمنتجوا”، كما يتداول الناس أن “الشيوخ” كانوا يستطيعون التفاهم مع تلك التماسيح المسحورة حال غرق أحد السكان، فيذهب “الشيخ” إلى ضفاف النهر وينادي الغريق، فيخرج التمساح ويلفظه.
يرصد البعض أصل تلك الرواية أن السكان المحليين لبلاد النوبة أطلقوا تلك الشائعة لحماية بلادهم من الاحتلال، إلا أن الأجيال ظلت تتناقل تلك الرواية باعتبارها إحدى الحقائق الأسطورية، ومن الطريف أن بعض السكان الأصليين يقدمون آنية اللبن للتماسيح علي ضفاف النهر، فاذا لم تشرب ترسخت لديهم أسطورة السحر، إذ يعتقدون أن السحرة لا يشربون اللبن.
بين عشرات الأساطير الشعبية التي تُروي في مختلف أرجاء بلاد النوبة حول النيل العظيم، وهذا الكم الهائل من الموروث التاريخي للطقوس والعادات والتقاليد النوبيه القديمة التي تربط كل مراحل حياة النوبيين بالنهر، تبقي العلاقة الخاصة التي تجمع النوبيين بالنهر شاهدة على موروث جميع العصور والحضارات التي نشأت وترعرعت في هذه البلاد، مؤمنة بقيمة النهر، باعتباره مصدراً للحياة، كل الحياة.
https://shorturl.fm/oYjg5
https://shorturl.fm/bODKa
https://shorturl.fm/TbTre