العلاقات الخليجية السورية بعد سقوط بشار الاسد
واضح تماما ان العلاقات الخليجية السورية بعد سقوط نظام بشار الاسد المتحالف مع ايران ، اخذت تتسارع وتتكثف بصورة قياسية وغير مسبوقة، واتوقع لها ان تتطور وتصل باطرافها علي الجانبين الي مدي ابعد واشمل بكثير مما قد تبدو عليه الآن، هذا اذا بقيت الاوضاع في دمشق علي حالها ولم تتغير.
يشهد علي ذلك هذه السلسلة من الزيارات المتبادلة والمتلاحقة رفيعة المستوي والتي كان آخرها امس من قبل وزراء الخارجية والدفاع والمخابرات في الحكومة السورية المؤقتة الي الرياض والاجواء الودية للغاية التي رافقتها.
وفي تصوري ان هناك الكثير مما سوف يتم التحاور بشانه بين الطرفين السعودي والسوري داخل الكواليس المغلقة لهذه المباحثات المهمة في توقيتها وفي مستوي القائمين بها. فهي ليست زيارة بروتوكولية عادية للمجاملة والتعارف بقدر ما هي زيارة عمل من نوع خاص جدا.
وهذا هو فهمي وتقييمي لها..ففي توجيه الدعوة رسميا من الرياض الي وزراء في حكومة تصريف اعمال مؤقتة بهذه السرعة المذهلة، ودون انتظار حتي تستقر الاوضاع في سوريا وتكشف عن الوجه الحقيقي لما يجري هناك، والاستجابة الفورية لها في دمشق بتلبيتها بارسال وفد من هؤلاء الوزراء المهمين الثلاثة، هي مؤشر بالغ الاهمية والمغزي.
بحد ذاته.. وسوف تليها قطعا زيارات مماثلة لعواصم خليجية اخري وبالأخص لدول كالكويت وقطر والبحرين.
وفي رايي ان الهدف الاستراتيجي الاول لهذا التقارب الخليجي السوري هو افشال المشروع الايراني في المنطقة العربية واسقاطه، وهو الذي يمر الآن باصعب مراحله ، وذلك بمواصلة احتوائه وتطويقه وتحجيمه ضمن الحدود التي لن يعود يشكل بعدها تهديدا ذا اهمية لاي من دول المنطقة الخليجية،وهو ما يكاد يبدو ان هناك توافق خليجي عام عليه، وهناك من الشواهد والمؤشرات ما يدعم هذا التوجه ويؤكده.
ومن ذلك زيارة امين عام مجلس التعاون الخليجي الي دمشق بصحبة وزير خارجية الكويت حاملا معه رسالة دعم مهمة من دول المجلس الي القيادة السورية الجديدة.
في بادرة لم تكن متوقعة في هذا التوقيت المبكر .. ولهذا اتصور ان الدول الخليجية، والسعودية بالذات، باتت تعول كثيرا علي اهمية حرب اسرائيل المتوقعة بين لحظة واخري، علي الحوثيين في اليمن، وذلك من منطلق ان اجتثاث هذه الذراع الايرانية القوية وازالة خطرها علي امن الدول الخليجية حتي وان تم ذلك بواسطة اسرائيل، سوف يكون له مردوده الامني الايجابي المباشر بالنسبة لها كدول خليجية تقع كلها في مرمي هذا التهديد الحوثي وتعجز عن مواجهته وحدها.
فضلا عن ان هزيمة الحوثيين في اليمن سوف تضع فصل الختام للمشروع الايراني في المنطقة العربية ويرغم ايران علي التراجع والانزواء وراء حدودها في انتظار حرب قد تشنها اسرائيل عليها لتدمير برنامجها النووي ومنشآتها النفطية الي جانب اهداف استراتيجية حيوية اخري قد لا تكون واضحة كلها لنا الآن.
وهو السيناريو الذي سوف يكون الاخطر والاعتف والاهم في نتائجه من بين كل ما سبق من سيناريوهات خلال الفترة الاخيرة.
واتصور انه سوف يكون لدول الخليج دور محوري في هذا كله بما سوف تقدمه له من دعم مادي كبير، يبقي اغلبه غير معلن لحساسيته السياسية الكبيرة.
وتخوفا من عواقبه الوخيمة المحتملة في الداخل الخليجي نفسه حيث الطوائف الشيعية الداعمة لايران في العديد من الدول الخليجية كالكويت والبحرين.
ما يحدث حاليا في منطقة الشرق الاوسط خطير بل وخطير جدا، فالحلقات في هذا المخطط الدولي الكبير متشابكة مع بعضها بشكل لم يسبق له مثيل، والمصالح والاهداف متداخلة هي الاخري بصورة يصعب فصلها عن بعضها، والفاعلون منهم من نعرفه جيدا، ومنهم من يلعبون ادوارهم في الخفاء او من وراء ستار وان لم يكن من الصعب تخمينهم وتحديد هوياتهم، واللعبة تجري علي قدم وساق باخراج منسق.
وبتوزيع متفق عليه للادوار بين الفاعلين الرئيسيين والفاعلين المساندين او الداعمين لهم ، وتظل امريكا هي الراعي الاكبر لهذا كله باجهزة مخابراتها الشيطانية التي لا تكف عن التآمر علي هذه المنطقة من العالم لاشاعة الفوضي فيها.
وتجد في ذلك الضمان الاقوي لمصالحها ولامن اسرائيل وليس لامن شركائها الاقليميين الآخرين كما تزعم لابتزازهم، كما ان الاستعانة ببعض جماعات الارهاب الدولي كفزاعة لدول المنطقة او لبعضها علي الاقل.
هي ايضا واحدة من ادواتها المهمة التي تستخدمها لتنفيذ مخططها حتي وان حاولت ان تنفي ذلك عن نفسها بتظاهرها بم حاربة الارهاب وتنظيم داعش بشكل خاص وذلك من خلال التحالف الدولي الذي تقوده ضده منذ سنوات ولا تزال في كل من العراق وسوريا ، وعلينا الا نصدق مزاعمها علي اطلاقها لانه ليس كل ما تقوله او تزعمه صحيح. ولان الكثير منه ليس اكثر من دعايات .
وفي كل الاحوال، فاننا سوف نبقي لبعض الوقت امام سيناريو اقليمي ممتد , وامام تحولات جيو سياسية مهمة بدات وقطعت شوطا كبيرا وسوف تستمر.. وتبقي نهايتها رهنا بمتغيرات الظروف وكذلك بمدي تحقق الاهداف الاستراتيجية التي تعمل من اجلها كل تلك الاجندات الاقليمية والدولية الخطيرة.
وما يجري في سوريا حاليا هو حلقة في هذا المخطط الاستراتيجي الكبير.. وفي انتظار. ما سوف تاتي به الايام المقبلة من احداث وتطورات.